لعل رسالتي التي حدثتك فيها بطرف من أحاديث دمشق قد بلغتك، وهذه رسالة أخرى أطرفك فيها ببعض ما وعت النفس من مشاهد الطريق بين دمشق والقسطنطينية. وأرجو أن أواصل الرسائل من بعد:
ترددت برهة كيف آخذ طريقي من دار الأمويين إلى دار البيزنطيين. أأركب إليها البحر من بيروت وأرجع من طريق البر، أم أخترق اليبس إلى غايتي؟ وكنت ركبت السفينة بين الإسكندرية والقسطنطينية مرتين قبلاً، فقلت لنفسي: ماذا تفيدين من رؤية ما رأيت، وحافظ الشيرازي يقول:
من جرّب المجرّب ... حلت به الندامة
وماذا تُجدي عليك رؤية الدأماء صباح مساء؟ لجة واحدة وأمواج متشابهة، كأنها ساعات الزمان في بحر العمر!
صح العزم على سفر البر، فخرجت من دمشق بعد ظهر الثلاثاء ١٩ جمادى الأولى (٢٧ تموز) في سيارة أعدتها شركة السكك الحديدية لإبلاغ المسافرين حمص ليركبوا منها سكة الحديد إلى حلب. وقد ابتليت برفقة ليس بيني وبينهم سبب فأرحت لساني وأذني، وسرّحت طرفي في الفضاء، وفكري في مسارح لا تحد بين الماضي والحاضر، والقريب والبعيد. وكان للسيارة سوّاق ذكرنا بقول القائل:(قد لفّها الليل بسوّاق حُطم) فانطلق بنا لا يألو إسراعاً حتى يكاد الماء في جوف السيارة يشتعل، فيقف ريثما يفثأ الماء، والطريق أكثرها صحراء جرداء تسايرها جبال وتلال، وتزينها بين الحين والحين قرى ومدن ومشاجر ومياه، ولا سيما قرب حمص. ولم نقف على الطريق إلا في النبك لبثنا فيه قليلاً.
هذه حمص بعد سبع سنين ولات حين تلبث. إن الوقت لا يمهلك حتى لزيارة خالد بن