من أغرب الظواهر في الأدب العربي - إن لم يكن في الغربي - أن يرثي شاعر ولده الصغير بديوان كبير، ثم يظل مجهولاً طيلة ثمانية قرون ونصف قرن، لم يحاول أحد خلالها نشره أو التعريف به
ومازالت خزائن الأدب العربي ملآى بالآثار الرائعة التي خلفها لنا الأجداد تجاذب الأحداث أسباب البقاء، حتى إذا ما صرعها الزمن وقفنا على أطلالها نندبها ونبكيها، ونقول كان لنا وكان. . .
من تلك النفائس المشرفة على الفناء ديوان فذ في بابه، غريب في اسمه وموضوعه، نظمه أبو الحسن الحصري صاحب القصيدة المشهورة: يا ليل الصب متى غده؟ سماه اقتراح القريح واجتراح الجريح وكل قصائده في رثاء ابنه الوحيد عبد الغني؛ رزقه وقد بلغ من الكبر عتياً، ورزئه وقد أتم التاسعة من عمره
وكان موته بالنزيف: فسالت حشاشة نفسه من أنفه، وفي ذلك قوله:
ليس للحصري غير هذا الديوان على كثرة شعره، ووفرة أدبه، يدلنا على ذلك قوله في مقدمة الكتاب:(والقرآن شعاري، ولذلك لم أجمع أشعاري، سحرت بها العقول فحبذتها، ووراء ظهري نبذتها، تركتها لمن يعيها، فيسرقها أو يدعيها، يرثني بغير نسب، ويملكها بغير نشب، حاشا ما في كتابي هذا)
لم يطبع هذا الكتاب ولم يشتهر أمره بين الأدباء، ولم يجر ذكره على أسلات أقلام المؤرخين، ولعل ذلك راجع إلى ندرة وجوده، وقلة ذيوعه. . .