فإذا سأله صاحبه وهو يحاوره - وأكبر ظني أن هذا الصاحب ليس إلا العقاد نفسه أو شخصية اختلقها من خلقه على غرار ذاته -: (وكيف توفق بين الوجود الأمثل وبين الشرور والآلام في هذه الحياة؟) انفلت من هذا المأزق بقوله: (هذا سؤال غير يسير، لأننا نحن الفانين لن نرى إلا جانباً واحداً من الصورة الخالدة في فترة واحدة من الزمان، ومن يدرينا أن هذا السواد الذي يصادفنا هنا وهناك هو جزء لازم الصورة كلزوم النقوش الزاهية والخطوط البيضاء؟ بغير الألم والخسارة ما الفرق بين الشجاع والجبان وبين الصبور والجزوع؟) فإذا حلق عليه مجادله بهذا السؤال المحير الخالد: (أليس عجزا أن نشقى وفي الوسع ألا نشقى؟ أليس عيباً أن نقصر عن الكمال وفي الوسع أن يبلغ الكمال؟) لاذ المؤلف بإجابة صوفية (كلامية) فقال: (وكيف يكون في الوسع أن يكمل المتعددون؟ إنما يكون الكمال للواحد الدائم الذي لا يزول) ولكن صاحبه يضيق ذرعاً ويثور ثورة الإنسان في ضعف إنسانيته: (قل ما شئت، فليس الألم مما يطاق، وليس الألم من دلائل الرحمة وآيات الخلود الرحيم). فيطامن المؤلف من ثورته ويسكب عليها شآبيب الهدوء:(إن هذا لصحيح إذا كانت حياة الفرد هي نهاية النهايات، وهي القياس كل القياس لما كان وما يكون. لكن إذا كانت حياة الفرد عرضا من الأعراض في طويل الأزمان والآباد - فما قولك في بكاء الأطفال؟ إن الأطفال أول من يضحك لبكائهم حين يعبرون الطفولة، وإنهم أول من يمزح في أمر ذلك الشقاء، وليس أسعد الرجال أقلهم بكاء في بواكير الأيام. . . يا صاحبي هذا كون عظيم، هذا كل ما نعرف من العظم، فإذا لم نسعد به فالعيب في السعادة التي ننشدها، ولك أن تجزم بهذا قبل أن تحزم بأن العيب عيب الكون وعيب تدبيره وتصريفه وما يبديه وما يخفيه. ولك أن تنكر منه ما لا تعرف، ولكن ليس لك أن تزعم إنه منكر لأنه مجهول لديك)