هو يغني بشعره، صادراً عن طبيعة خصبة، مترجماً عن نفس زاخرة بعناصر الشاعرية من إحساس مرهف، وعاطفة مضطربة، وعقل (فني) يدرك به الجوانب الفنية للأشياء، يتملك كل هذه خيال طامح متوثب. وهو عندما يشحذ هذه العُدة يمضي متدفقاً مندفعاً عنيفاً، وفي كثير من الأحيان يتبع هذا التدفق والعنف عدم اكتراث بسلامة الذوق، واعتساف في الفكر وفي التعبير - كما نبين فيما يأتي - معتمداً في ذلك على قوة طبيعته ونشاط خياله، غير متقيد ولا محترس، فهو يعول على الهبة الفطرية أكثر مما يعول على المهارة الاكتسابية
ويمتاز شعر هذا الديوان بشيء لعلي موفق إذ أسميه (الروعة) وهو ذلك الذي يستغرق المشاعر ويروع العواطف ويأخذ بالذهن إلى عوالم متنائية الأطراف، ولعل مبعثه بُعد المدى في الخيال، والإيغال في تصوير الأشياء التي يكتنفها الغموض، ومن ذلك كثرة ترديده لذكر الرهبان والقسس والأديرة وانتزاع الصور من محيطها الغامض. ومما تتجلى فيه تلك الروعة قصيدة (دمعة في قلب الليل) وقد أبدع في وصف الدموع في هدأة الليل، وأفتن في تصوير المعاني افتتاناً. قال يخاطب الليل:
خلني للدموع وحدي أناجي ... ها في العزلة السوداء
أنا من كأسها شربت صبيًّا ... خمرة سلست من البأساء
عصرت من مطارف الألم الدا ... وي بقلبي وعتقت في دمائي
تخِذتْ جامها المحاجر والسا ... قي همًّا يؤج في أحشائي