هي أشهى إلى عيوني من النو ... ر، وأبهى من لمحة الأنداء
هات يا ليل قطرها فهي حيرى ... كتمت برحها من الكبرياء
فأنظر كيف يصور الدموع خمراً عصرت من قلبه موطن آلامه ثم اتخذت لها مسرى دمائه دناناً تعتق فيها، ثم صبت في كؤوس من محاجر العيون، يقوم على سقيها ساق من الهم يضطرب في الأحشاء. . . ثم انظر كيف يستقطرها الليل لتترقرق مستورة حيرى في عزلة الليل وقد برح بها الكتمان لأن الكبرياء أبت عليها الظهور في وضح النهار. وإن كان قد شاب هذه الصورة بفساد في بعض التصوير، فقد قال (عصرت من مطارف الألم) فجعلنا نتمثل امرأة حاسرة عن ذراعيها أمام طست الغسيل تعصر تلك المطارف والأثواب. . .
وهاك مزهراً تتكون أوتاره من الأهداب وتحدث أنغامه من رنين البكاء:
همسها في الجفون أصداء ناي ... بلعت شدوه رياح المساء
يستعذب الشاعر دموعه ويطرب من ذرفها فيصورها في الجفون هذا التصوير الرائع. . . كصدى الناي البعيد تستهلك شدوه الرياح فلا يصل إلى السمع منه إلا كالهمس. . . هذه - من غير شك - دموع شاعر يتغنى على تسكابها فيبدع ويطرب
وهناك في ذلك الظلام السائد يرزح تحت أثقال الليل كوخ:
رجفت شمعة بجنيه تهفو ... في دجاه كالمقلة العمشاء
خنق الليل نورها خنقة البؤ ... س لأرواح أهلها التعساء
إنك لتشعر بالروعة حيال هذا المنظر: كوخ يعاني ضوء شمعته الخافت من الظلام ما يعاني أهله من البؤس
وأبرز شيء في شعر شاعرنا اللمعة الذهنية المتألقة حتى أنه ليُذهل بها عن كثير مما لم يمسه التنقيح والتهذيب، فهو بذلك يختلف عن شعراء يعاودون كلامهم بالصقل ويتناولونه بالتشذيب فيخرج سليماً مثقفاً، ومع ذلك ليس فيه من المفاجآت الشعرية ما يملك الحواس ويؤثر في العواطف
وقصيدة (ثورة الإسلام في بدر) تدل على اقتدار الشاعر على استيحاء الحوادث أروع