للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نظرات في الأدب:]

الأدب والمجتمع

كان من نتائج شيوع المذاهب الاشتراكية، أن بدأ كثير من الكتاب - ولاسيما دعاة تلك المذاهب - يتجهون في كتاباتهم اتجاهاً جمعياً؛ ويحاولون أن يعالجوا كل ما يمس المجتمع من قريب أو من بعيد؛ ويجهدون - قدر الطاقة - في وسم كل إنتاج لهم بالميسم الاجتماعي.

ولا شك أن هذا الاتجاه إلى معالجة شئون المجتمع، والنظر إليها هذه النظرة الفاحصة الممحصة لمما يحمد أثره في النهوض بالشعوب والرقي بالأمم.

ولا شك في أنه أيضاً اتجاه طبيعي إلى حد كبير؛ وهو - في ذاته - معقول ومجد، لأنه يتفق وغلبة النزعة الاشتراكية على بلاد العالم جمعاء. . . حتى الديمقراطية منها.

ولكن كل هذا - وإن كنا نقره ونعترف به - لا يبرر - بأي حال - وجوب اتجاه الأدب - بوصفه فناً من الفنون الجميلة - إلى المجتمع. . . والمجتمع فحسب: يعالج شئونه، ويجاهد أن يحل قضاياه، ويتلمس أن يتعرف علله الظاهرة منها والباطنة؛ ثم هو لا يتجه من بعد ذلك إلى غير هذا؛ فهو من المجتمع: ابنه البكر ووليده المشمول برعايته - وإليه؛ ولا ينبغي أن يبتعد عنه ويروح يغوص في لجج التيارات الفردية والنزعات الإنسانية التي تلغي قيود الزمنية والمكانية.

. . . هذا بعينه - هو ما يذهب إليه دعاة الأدب للمجتمع. . . ذلك النفر المغالي في إنكار الذات إلى حد غير متقبل عقلاً وبداهة

لقد ظن أولئك الدعاة أن الأديب يحيد عن رسالته الروحية حين لا يصرف كل جهوده في توجيه المجتمع وحل قضاياه؛ وارتأوا أن في انتهاجه المنحى الفردي - الذي يحصر حدود الكلام فيما يعتلج في النفس ويدور حولها ويتعلق بها ويرتد إليها - انحرافاً يستدل منه على أنه لا يماشي المجتمع ويجري وراء الأوهام والتعلات!

وهذا قول من شأنه أن يضيق من حدود مجالات الأدب الفسيحة، حتى يضيق الأدب به ويضيق بأصحابه على خلاف ما يتوهمون!

إن الأدب - أسوة بغيره من الفنون - تعبير. . . تعبير بكل ما نريد بهذه الكلمة من تبيان

<<  <  ج:
ص:  >  >>