للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

البعث

للأستاذ محمد سعيد العريان

جلس (أحمد) على مقعد في جانب من غرفتي الخاصة وارتفق بذراعه على المنضد الصغير وراح يفكر. . .

إن بعض الصور التي تتناولها العين في نظرة عابرة قد يكون لها من التأثير في حياة بعض الناس مالا تؤثر الأحداث العظيمة التي تهز العالم. هذا أحمد، شتان ما هو الساعة وما كان منذ ساعات. لقد عاد لتوَّه من السيما حيث كان يشهد رواية عن حياة الأديب الفرنسي الكبير (إميل زولا). . . فأين هو الساعة مما كان قبل ساعات؟

لقد رأى وسمع وعرف، ونظر إلى نفسه وحضرته ذكرياته وأمانيه، وراح يحاسب نفسه على ما أدى من عمل وما نال من جزاء، واستغرق في تفكيره. . .

منذ بضع عشرة سنة لم يأل ُأحمد دأباً إلى غاية يستشرف إليها؛ فأين بلغ مما أراد؟ هذه حياته التي يحياها منذ كان، لم يتغير منها شيء يشعره شيئاً من الأمل فيما يستقبل من أيامه؛ ففيمَ كان جهاده ودأبه بذل من أعصابه ومن دمه في بضع عشرة سنة؟

أتراه يستطيع أن يقنع نفسه بأنه قد بلغ شيئاً؛ فأين. . .؟ وتراءت له صورة (سعدية) الفتاة التي وهب لها نفسه ووقف عليها أمانيه، وتذكر من ماضيه القريب ومن ماضيها

لقد تعارفنا منذ سنوات، بل لقد عرفته قبل أن يعرفها، فسعتْ إليه، فالتقيا، فما افترقا بعدها إلا على ميعاد؛ ولكن سعدية اليوم غير ما كانت، لأنه هو هو لم يتغير ولم يزد شيئاً على ما كان يوم عرفته!

أيكون ذلك هو السبب الحق لما بينهما اليومَ من الجفاء والمباعدة؟ ذلك ما ُخيَّل إليه هو حين افترقا لآخر مرة منذ قريب فهجرها وإن في قلبه من الشوق إليها لهيباً يسعر!

لقد كان (أحمد) أديباً موهوباً. إنه ليعرف ذلك من نفسه، وإنه ليؤمن به إيماناً لا سيبل إلى الشك فيه؛ وكان حقيقاً بهذا الإيمان أن يبلغ به المنزلة التي يهدف إليها منذ بدا ليتخذ مكانه بين أدباء الجيل. وكان على إرث من الأدب هيأ له الجو الذي يعنيه على استكمال وسائل الأديب وتحصيل مادته؛ واتخذ طريقه إلى الغاية التي يؤمل. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>