إذا أنار الأيمان النفوس ورفعها وهداها إلى العدل، ثم أنفت العدل ودربت عليه واطمأنت إليه، وأخذت به في الكبير والصغير والعظيم والحقير، والجليل والدقيق، وارتفعت عن الأهواء المتصادمة، والمنافع المتقاتلة، وأََمَرٌّتْ كلَّ هذا في الأنفس الثقافة والتربية والأسوة الحسنة، والمثل الصالح، سيطر العدل على الآراء والأقوال والأفعال، وماتت العصبيات المضلة، وهلك الهوى المفرَّق. يخلص الإنسان في الفكر، ويتنزه فيه عن الهوى، ويعدل بين الحجج، ويلتمس الصواب حيث كان، يسأل الله الهدى، ويحرص عليه مبرأ من الميل، والجور وابتغاء مصلحة له أو مضرة لغيره فيدرك الحق أو يقاربه، ويخلص الإنسان في قوله، فلا يقول إلا بالحق، وبالعدل، ولا يتزيد لنفسه، ولا يبخس حق غيره، ويهجر الكلمة المضللة، والقولة الفاتنة، ولا يلبس الحق بالباطل فيما يدعي لنفسه أو جماعته وفيما يدعي على غيره من الآحاد والجماعات، ويتعاون الوحدان والجماعات على بيان الحق، وإيضاعه، وحياطته، والدفع عنه، وتيسيره للعقول، وتقريبه إلى الأذهان، وعرضه على الناس، نقياً جلياً، لا يحجبه ضباب الباطل، ولا يخفيه زخرف الكذب وتمويهه (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا) ولو سار الناس على هذه السيرة أو قريب منها، ما فتنتهم الدعاوي الباطلة، وما أضلتهم الأقوال الخادعة، وما سولت لهم أنفسهم أن يلبسوا الباطل ثوب الحق ابتغاء منفعة لهم، ويصوروا الحق في صورة الباطل للأضرار بغيرهم، وما ابتليت الأمم بهذه الجلبة والضوضاء التي يسمونها الدعاوة، يدعى كل قبيل لنفسه، ويزين باطله، ويفترى على غيره ويبطل حقه، وما أخذت الناس هذه الفتن، والمحن في العقائد والأقوال والأعمال، وما سد القوى على الضعيف الآفاق، وضرب عليه الأسداد بما ينشره يذيع ويكرر نشره وأذاعته ابتغاء الغلب بالحق والباطل بل إيثاراً للغلب بالباطل وحباً للظفر الفرية والبهتان. لو سار الناس على السيرة العادلة أو قاربوها ما استعانوا