بالنشر والإذاعة لترويج الأباطيل، يفسدون بها الاخلاق، ويفتنون بها الضعفاء ويثيرون الخوف والقلق ويشيعون الهرج والمرج ويزلزلون الجماعات لينالوا في الفتن المائجة رغائبهم، ويبلغوا في النقع المثار رغائبهم، لا يبالون انصروا الحق أم خذلوه، وباعدوا العدل أم قاربوه لو عدل الناس في الرأي والقول، وجعلوا العدل قسطاساً لهم ولغيرهم، وحداً بينهم وبين إخوانهم، ما أجازوا بذل الأموال، لفتنة الأفكار، والتوسل بالشهوات إلى تضليل العقول، وما رضوا أن يحكم السلاح في نشر المذاهب، وزلزلة الجماعات ليبثوا فيها رأياً أو مذهباً. ثم لو عمل الناس في أعمالهم. ما شهدت الأمم هذا النزاع المستمر، والقتال المستعر بين أمة وأمة، وما رأينا قوياً يظلم ضعيفاً، ولا غنياً يجور على فقير. ولا رأينا أنفس الأنيس كأنفس السباع يتفارسن جهرة واغتيالا كم قال أبو الطب. لو عدل الناس في أعمالهم لجمعهم العدل على الحب، وأحاطهم الحب بالاخوة، وتعاونوا بالاخوة على الخير، وأدى التعاون إلى الرفاهية والطمأنينة والسعادة. لو فكر الناس بالعدل وقالوا به، وعملوا، كما قال القرآن:(وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون). ما شقي الناس في هذه المدينة الحاضرة، وقد أتت بكل عجاب، واخترعت كل بدع من الصناعات وكشفت الخليقة عن أسرارها، وسخرتها بقوانينها، وبلغت في العلوم والمعارف ما تمنى الناس بل أكثر مما تمنوا. لو عدل الناس ما رأينا هذه الأمم التي بلغت الذروة من هذه الحضارة تفرق بين شرقي وغربي، وأبيض وأسود، وما شهدناها تشقى بعلمها، وتهلك بصنعها، وتقاد إلى الموت بأسباب الحياة، وتتوسل إلى الدمار بوسائل العمران، ولما صارت، كما ترى، أجساداً تتصادم، وآلات تتقاتل، وقطعاناً تتفانى. لقد حرموا العدل في كل نفس، وبين الواحد والواحد والطائفة والطائفة، والأمة والامة، والشعب والشعب. ففرقتهم المعارف وكانت حرية أن تجمعهم، وأهلكتهم الصناعات، وكانت جديرة أن تحييهم. ولو عدلوا ما تفرق بهم السبل، واختلفت الوجهات، ولجمعهم سبيل الحق الواحد، وطريق العدالة البين. (وأن هذا صراطي مستقيماً فأتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) إن الناس يريدون الاخوة، ويحاولون السلام، ويسعون ليجمع أممهم نظام واحد من الحق والعدل، ولكن تخفق أعمالهم وتخيب مساعيهم بما أستقر في أنفسهم، من الأثرة والهوى، وتمكن فيها من العصبية والجور. وقد رأينا هيئة الأمم تتكلم باسم الامم، وتتحدث عن الحق والعدل والاخوة والسلام