أنا - كما لا يعرف القارئ وإن كان لا شك لبيباً - أكره أن أُحِب أو أن أحَب. ولهذا النفور من الحب أسباب شتى، منها أنه لا يدلي في الأمر، ولا سلطان لي عليه، والمرء يصاب بالحب كما يصاب بالزكام - بكرهه وعلى الرغم منه - ولو خير لاختار السلامة وآثر النجاة، ومن ذا الذي يطيب له أن يتوعك؟ والحب حين يغمر النفس يذهلها عن لذته وحلاوته، ويشغلها بالوجيب والقلق والخوف والرغبة والغيرة، ولهذا كان أمتع ما فيه ذكراه - أي بعد تفتر الحرارة وتسكن النفس ويزول الاضطراب والقلق - أو تنتفي دواعيهما بفتور الرغبة - وقد يكون البحر الجائش العباب رائعاً ولكن ركوبه لا يحلو، واعتسافه لا يؤمن، والنفس مثله. وقد يسمو بها اضطرام الحب فيها إلى الجلال، ولكن الإحاطة بما تضطرب به والغوص عليه لا يتسنيان إلا بعد الهدوء؛ وقد يلهم المرء شيئاً وهو هائج، ولكن النظرة المباركة هي التي تدور بها العين في أنحاء النفس بعد أن تعود إليها سكينتها وصفوها ويتيسر الوصول إلى أغوارها والنفاذ إلى زواياها والتغلغل في سراديبها.
ومن الأسباب المزهدة أني رجل عادل منصف، أو دع الإنصاف وقل إن الله خلق لي في وجهي عينين، فما خيرهما إذا أنا لم أنظر بهما؟؟ والمرأة مستبدة، ومن استبدادها أنها تغضب وتثور وتسود عيشك إذا نظرت إلى سواها. وعبث أن تحاول أن تفهمها أن الإغضاء عن كل هذا الجمال الذي في الناس، قلة عقل، وقصر نظر - بل عمى -؛ وماذا تصنع العينان إذا لم تبصرا؟ وأي عمل آخر لهما هناك؟ وكون المرأة التي يبتلى الإنسان بحبها جميلة ليس معناه أن النساء غيرها دميمات؛ وحبك إياها لا ينبغي أن يتقاضاك مقت النساء الأخريات وتنقصهن؛ والإعجاب بهن لا يعد ثلباً لحبيبتك، وفي وسعها هي أيضا - إذا شاءت وكان هذا مما تستطيع - أن تعجب مثلك بهن. والرجل الذي يفقده الحب القدرة على الإعجاب بالجمال في صوره المختلفة يكون فاسد الذوق، ولو عقلت المرأة لكان هذا كافيا لتشكيكها في رأيه فيها.
ويزهدني في الحب أيضا أن مناظر العشاق مضحكة، وأحوالهم سخيفة، ومبالغاتهم شديدة، ودعواهم عريضة، وعمى قلوبهم وأبصارهم تام عن كل ما يحيط بهم. وأي عاشق لم يقطع