للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الغناء والموسيقى]

وحالهما في مصر والغرب

للأستاذ محمد توحيد السلحدار بك

- ١ -

هذه أولى أربع كليمات في الغناء والموسيقى، وحالهما في مصر والغرب؛ وهي ملاحظات عامة لم يُقصد بها إنسان معيَّن، وليس فيها محازبة لمذهب خاص، وعُرضها قد لا يخلو من فائدة

ذانك الفنان يجوز اعتبارهما من وجهين: القواعد الفنية؛ وبواعث الطرب الراجعة إلى ماهية الموسيقى والغناء الأصلية، أي الدلالة الصوتية على الأحاسيس والخواطر

فالغناء تطريب في الصوت في كلام المغني. والكلام العادي كلمات تدل بذواتها وبنسقها على خواطر وأحاسيس تتلوَّن فيه تلون الحال الفكرية النفسية في المتكلم؛ فيتلون صوته بالطبع والتبعية إذ يحدث فيه نبرات متفاوتات، ويجري في سرعة وبطء وخطف ووقف، وذلك كله يقوي دلالات الكلمات والسياق على الخواطر والأحاسيس، لأنه يزيدها وضوحاً وتأكيداً من حيث لا يشعر المتكلم. فهذا الذي يَحدث في صوته دلالةٌ صوتية تصاحب الدلالة الكلامية؛ وهي ماهية الإلقاء، وقد تكون أصدق من دلالة الكلام الذي تصاحبه: في مثل عبارة معناها ثناء تلقى بصوت يدل على أن المراد بها مُزاح ساخر؛ وفي مثل قول غاضب لمغضوب عليه: تفضَّل، بصوت يعني الطرد مع أن الكلمة مستعملة في التكريم

وما الغناء، على الإجمال، إلا تطريب يُعلى تلك الدلالات الصوتية في اللحن المطابق لمعاني كلام الأغنية، ولمقتضى المقام المعين بهذه المعاني؛ فتعلو الدَّلالات درجات متفاوتات على مستوياتها في الكلام المغَنَّى به لو أن صاحبه الفرضي تفوَّه به، من غير تطريب، في ذلك المقام. يؤيد هذه الحقيقة أن الأغنية إذا جاد لحنها، وأجاد غناءها صوت حسن موافق، كانت معانيها أعظم وقعاً عند السامع منها إذا هو قرأها هادئ النفس، أو سمعها مقروءة بلا ترنيم ولا ترتيل. فمن أين تعلو عنده منزلة هذه المعاني والأغنية واحدة على كل حال؟ أفلا نرى أنها تشرف بتقوية الدلالة الصوتية المبينة عن معاني الكلام وعن

<<  <  ج:
ص:  >  >>