للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حقيقة المراد به؟ ليس شك في أن السر والسبب المهم هو تقوية هذه الدلالة، والأمر صحيح واضح لا في الغناء وحده بل في الخطابة والتمثيل أيضاً

تلك الدلالات الصوتية تصاغ في نغمات متوائمات محكمات على ضوابط فنية، لتنسجم بالإيقاع في لحن يبرز معاني الكلام المغنى به، وعلى قدر المطابقة الواقعة بين نص الدلالات، أي معاني الملحن، وبين معاني هذا الكلام يطيب الغناء ولو لم يكن صوت المغني من أجود الأصوات

بديهي أن الملحن لا ينطق بالكلام المراد تلحينه، ولا يستعين أحداً ينطق به أمامه، كي يلاحظ ما يقع في مثل هذا النطق من دلالات صوتية ليرفعها في نغمات يصوغها لحناً، لكنه إذا كان حقاً فناناً فقهاً فإنه يتفهم ما في ذلك الكلام من مقاصد وأغراض، ناظراً في دقائق ما يكسوها من معارض وأثواب؛ ويتأمل ما يصور من صور حتى يتوهمها أمام ناظريه، وحتى تستقر في بصيرته وعقله الباطن، وما تصف من أحوال نفسية حتى يجدها كأنها في نفسه هو؛ ثم يأخذ في التلحين متى تهيأت له ملكاته، فيأتي اللحن بطبيعة الحال حاملاً تلك الدلالات، مطابقاً بها معاني الكلام على قدر حساسات الملحن وحسته، ومواهبه ومحصوله الثقافي؛ وإذا كان الكلام أغنية من إنشائه، فقد يكون أقرب إلى السداد في إنشائه لحناً لها

وشأن المغني في التمكن من اللحن وتجويد غنائه شأن الملحن في تلحينه، وذلك هو الأساس والصراط المستقيم إلى الإجادة يهديهما إليه الطبع ونصيبهما من تحصيل أصول الفن ومن فهم معناه، ومن لم يهتد إليه ويوطد صنيعه على هذا الأساس المتين جاء بشيء غير طائل

أما الموسيقى، ففيها الدلالات الصوتية المصوغة في اللحن الذي يخرجه العازفون من المعازف؛ وهذه الدلالات أملتها نفس ملحنه، إما أخذاً عن أحاسيس وخواطر تضمنها الكلام الذي انشأ له اللحن، وإما تعبيراً عن حستها الذاتية حين تيقظت فيها ملكة التلحين، وهي حالة استكنت في أعماق تلك النفس بواعثها من خوالج صاحبها في مدى حياته، ومن أخيلته وخواطره إزاء ما شاهد في دنياه وما أدرك من الكون بشعوره وعقله أو بفضل غيره

تلك الدلالات تؤديها معازف تختص بها، معازف يَحدث من تناسق أنغامها السياق الأساسي في اللحن بينا ترسل معازف أخرى أنغاماً مساعدة، تتلبَّس به متنوعة فيه، متفاوتة ارتفاعاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>