للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القصَص

من صور الريف - قصة واقعية

الشقراء المجنونة. . .!!

بقلم محمود البكري

. . . فتاة مثقفة على خلق عظيم، تناولت من التعليم حظاً غير قليل وفيها شيء من الجمال: عينان ساجيتان، شعر يشبه أن يكون خيوطاً من ذهب. . . ثم نفس شاعرة متمردة تحس الجمال وتتذوق الأدب. . كانت (فتحية) صورة نادرة في الفتيات: امتزج فيها سمو الروح بجمال الصورة، تعلمت في وقرأت جوت ولا مارتين ودوي موسيه. فظمئت روحها إلى حب عنيف، وعرفت (سامي) فوجدت عنده رياً لروحها الصادى، فأنست إليه وهام بها، وكان حب بينهما، حب جبار قوي كأنه الإعصار لا تسيره المنافع ولا تغيره المطامع ولا توهنه أحداث الحياة، وهو فوق هذا نبيل بصورة لا تقع في الوهم، طاهر بشكل لا يتعلق به ظن.

. . . وكانا يقضيان حياة فيها حظ من الشعر والخيال: يتقابلان في الحدائق فيجلسان على العشب الندي، ويخلوان إلى نفسيهما فيأخذان في فتون من الحديث والأدب، حتى يتقدم الليل فيفترقان إلى عود. . . وكانا يتفقان على الإعجاب بالأدب الفرنسي، وينفقان في القراءة وقتاً غير قليل، ويستطيل كل منهما على صاحبها أحياناً في رقة ورفق ودعابة.

ومضى على هذا الحب سنوات ثلاث. ثم أحيط أبوها بخبره، وكان صارماً قاسياً شديد القسوة، عنيداً مسرفاً في العناد، فاستعدي فتحية فجأة. .

. . . وكان يوم الوداع ثقيل الظل سريع الخطو. . . وجاء القطار! فجاشت الدموع في صدر فتحية، ولكنها تجلدت ونهنهت عينها، وأخذت نفسها بصمت عميق، وإن كانت روحها تكتم ثورة صاخبة تضطرم في عينيها الحالمتين في ذهول واستغراق. . وكانت تخرج منديلها الأزرق الصغير من حين إلى حين فتلقط به دمعة أو دمعتين. . ثم تحرك القطار وغاب في أحشاء الطريق. فاهتدت الدموع الضالة إلى عين فتحية وغلبتها على أمرها، فاستسلمت للغريزة، وأرسلت عينيها في حرارة وغزارة وذلة وصمت. . .!!

<<  <  ج:
ص:  >  >>