وخطبها إلى أبيها رجل كبير من أعيان الريف أوتى بسطة من المال، إلا أن بضاعته من الثقافة والعلم مزجاة، وكان يكبرها بثلاثين سنة أو تزيد!. . . مانعت وتمردت. وثار بينها وبين أبيها نقاش قصير ولكنه حاد. أيهما أشد إسرافاً في الجريمة؟ أهو لأنه يريد أن يقضي على سعادة ابنته؟! أم هي لأنها تخالف أباها في أن تتزوج رجلا لا تفهمه، وليس بينهما صلة من عاطفة أو سن أو ثقافة، وكان جدال عنيف في شيء لا يحتمل الجدال ولا يستدعي الحجة. لأنه بين لا لبس فيه ولا غموض، ولأن حق حرية اختيار الزوج لا يسخط الله ويرضى الناس، يقره العل ولا يرى القانون بأساً في أن يسمح به، ولكن الحق مهما يكن، ينكره ويلتوي به المكابرون، والمكابرون لا حيلة فيهم ولا دواء لهم. والوالد يحتال حيناً ويتطلف، ويقسو حيناً آخر ويهدد، والفتاة على كل حال تتمرد وتثور. . .!
. . . وأخيراً استقرت ثورتها وانتهت إلى مثل ما تنتهي إليه ثورات النساء في منازلنا: استسلام مغلوب.
. . . وأخيراً!! تبددت في مهب الظلم آمال، وتحطمت على شعاب العناد أحلام، وضاعت في غمرة الطمع أماني. . .
. . . وأخيراً. . . زفت فتحية التي تعلمت في إلى الرجل الذي اختير لها وأكرهت عليه إكراهاً. . .
أغدق عليها مالا وحلياً وثياباً، فلم تبهرها هذه المظاهر، ولم تكسر من حدة نفارها ولم ترد جماحها. . . كانت تبكي في اتصال ومرارة.!
وكان حب سامي لما يزل يستبد بها فينسيها في النهار الراحة والقرار، وفي الليل المنام. . . كانت تغفو أحياناً قليلة، ثم تفيق صارخة مضطربة روعتها الأشباح، وطاردتها أرواح الذكريات في إلحاح وقسوة، فراحت حياتها خليطاً مشوشاً من الصور المرعبة، كانت تحبه حبا طاغيا عنيفاً جعل حياتها في البعد عنه سلسلة طويلة متصلة من الشقاء.
حاولت جهدها أن تنسى: فكانت تخرج إلى الحقول، وتقرأ كثيراً، ولكنها كانت تفر من عذاب إلى عذاب.
وكان زوجها سخيف العقل ضعيف الرأي ضيق النظر؛ وعنده أن المرأة لم تخلق إلا لتكون ماء أو شيئاً يشبه الماء يطفئ به الرجل جذوة الحيوانية. . . فأما أن تتعلم أو تقرأ أتكتب