ذكر صاحب الإتقان وتابعه صاحب الوسيلة الأدبية أن ليس في القرآن الكريم من الجناس التام إلا مثالان: قوله تعالى من سورة الروم (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا إلا ساعة) ومن سورة النور (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار. يقلب الله الليل والنهار. إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار)
وقولهم هذا إن صدق فليس بذي خطر، فليس يهم أن يكون في القرآن جناس تام أو لا يكون، فما الجناس التام إلا نوع ضئيل من الجناس، وما الجناس إلا نوع واحد من المحاسن البديعية، وما هذه إلا باب من الأبواب التي تتحقق بها موسيقى التعبير في فصيح الكلام، وهي الموسيقى التي بلغت كمالها وتمامها في القرآن. لكن القضية من حيث هي جديرة بالتمحيص لاتصالها بالقرآن الكريم من ناحية، ولبعد فيها من ناحية أخرى فمن البعيدأن لا يحوي القرآن على سعته إلا مثالين اثنين من الجناس التام.
إن المحاسن اللفظية وجدت في فصيح كلام العرب وفي القرآن العزيز قبل أن تسمى بأسمائها في علم البيان أو البديع. فالعلم يستقري الموجود ويصنفه ويضع لأصنافه الأسماء. وما أظن العلمين أحاطا بكل الموجود من أصناف تلك المحاسن. وموضع اللطف في الجناس التام إذا لم يفسده التكلف أنه يلفت الذهن إلى معنيين مختلفين بلفظ واحد يذكر بمعنى ويتكرر بمعنى. فهو من حيث المعنى كلمتان مختلفتان، ومن حيث المنطق كلمة واحدة. ومن الواضح أن السليم العفو منه لا يكون في الغالب إلا في المشترك من الألفاظ.
وليس لما اشترطه بعضهم في الجناس التام من ألا يكون أحد المعنيين مجازياً محل ولا حكمة ما دام موضع الحسن هو اتفاق اللفظ مع اختلاف المعنى؛ فاللفتة الذهنية هي سواء أكان المعنيان حقيقيين كلاهما، أم كان أحدهما حقيقياً والآخر مجازياً.
ولعل هذا الشرط الذي اشترطوه هو الذي ضيق عليهم الواسع من أمثلة الجناس في القرآن. وحتى مع هذا الشرط فإن في القرآن الكريم من الجناس التام أمثلة فوق الذي ذكروا لا يدرى كيف خفي عليهم مكانها وهم من هم في الدقة والتنقيب وتمام العناية بالقرآن.
وهم يقسمون الجناس التام قسمين، فما كان بين لفظين من نوع واحد كأن يكونا اسمين أو