إن حقيقة وحدة الوجود هي حجر الزاوية في الديانة الهندوكية مثلها في ذلك مثل التوحيد في الإسلام والتثليث في المسيحية. فلا عجب إذا استلهم طاغور الهندوكي هذه الحقيقة وجعلها محور تفكيره وينبوع مشاعره وانفعالاته. فلقد سبقه متصوفة الإسلام في التأثر بها بالرغم من تعارضها في جهات كثيرة مع تعاليم الدين الإسلامي، وادعى الحلاج أنه الحق أي الله، ووضع ابن عربي تصميم فلسفة تدور حول وحدة الوجود. فإن استقى طاغور أخيلة قصصه وإلهامات أشعاره من معين عقيدته الدينية وجد بفكره في إبرازها في صورة حية بسيطة تشعر بصدق صحتها وسهولة تحقيقها، فليس ذلك إلا لطغيان عاطفة دينية قوية على مشاعره رغبته في التعبير بمختلف الوسائل الفنية والفكرية التي تيسرت له عن عقيدة يؤمن في قرارة نفسه أنها حق، فأنتفع بشتى مقومات الحضارات الشرقية والغربية سواء أكانت قديمة أم حديثة، واتخذ منها أسساً ليدعم بها عقيدة وحدة الوجود، ويوضح ما يكتنفها من غموض، ويرغب الغير في تصديقها، ويحض الهنود على اختلاف مهنهم وأعمالهم على تحقيق اتحادهم بالله والخليقة.
وتقرر عقيدة وحدة الوجود الهندوكية أن الله يستقر في أعماق النفس الإنسانية، ويظهر في الحيوان، ويبرز في النبات ويتجلى في الماء والنار، وينتشر في سائر مكونات الكون. وأن الله حقيقة حية حاضرة في كل مكان، دائمة الاتحاد بالوجود، وتتخذ مظاهر متنوعة تبدو في صور محتويات الطبيعة المتعددة من إنسان وحيوان ونبات وجماد، وتشمل جميع هذه الأشياء وتضمها في وحدة مطلقة أبدية، وتمنحها حقائق روحية خلاف مظاهرها المادية.
ويعلل طاغور حلول الله في الخليقة بأن الله حينما امتلأ بالسرور فاضت عنه الخليقة، فالكون عند طاغور هو الصورة التي يتجلى فيها سرور الله، لأن طبيعة السرور أن لا يبقى على حالة مجردة، ويبحث على الدوام عن قالب مقيد بقانون يصب وجوده فيه فإن الفنان الذي تمتلئ نفسه بالسرور عند اكتمال فكرته الفنية يسرع عادة في استعراضها مثلاً في صورة الغناء الذي يخضع لقواعد الموسيقى، أو في قالب الشعر الذي يخضع لقانون تطور المعاني وقواعد العروض. وكذلك سرور الله يرتسم في صورة النفس الإنسانية التي