وكذا. . . وأن هذا السعر يبهظك ويشق عليك، فهل تنزل لي عن أرضي ليستأجرها غيرك!) قلت:(يا أخي، إن كان الأمر هو أمر السعر فحسب، فأنا دائماً ادفع لك أجر المثل، وإن كان غير ذلك، فاكشف لي عن دخيلة نفسك). . . فأصررت أنت على قولك:(إني أريد أن يستأجرها غيرك شفقة مني عليك، ثم إني اطمع أن أحس بملكية ميراثي من أبي!) ورأيت في تشبثك التافه خلقاً لم أعرفه عنك من قبل! ثم جاء عمك يقنعك، فعدلت عن رأيك، ورضيت أنت ورضيت. وخيل إلي انك ندمت على أن نزلت عند رأي عمك، فأردت أن تفزعني عن أرضك في أسلوب وضيع، فأخذت تتطاول علي - على ملأ من الناس - تريد أن تشعرني بأنني عبد فضلك، فكنت أدفعك عن هذا الرأي في هوادة، وأنزع عنك هذه العقيدة في لين، وأسلوبك يبعث في الغضاضة والضيق! ورحت أوحي إليك بأننا صنوان وأن ما أربحه من أرضك لا يغني من جوع، ولا يرد غائلة العسر، ولا يرتفع بي إلى الغنى، ولكن كبرياء الوظيفة، وزيف المدينة، وبريق الثراء المزعوم، كانت كلها قد كدرت صفاء قلبك، وطمست على صواب رأيك، فتعاليت على أخيك الفلاح، وأنفت أن تكون في لباسك الإفرنجي إلى جانبه، وهو في جلبابه، ونسيت ما كان منه أيام أن كنت. . .
يا أخي، إنك لن تكون شيئاً، أن أنت قطعت وشائج القربى أو صرمت أواصر النسب!
وتماديت في غوايتك دون أن تبادلني الرأي، فأرسلت رجلاً من أوشاب الفلاحين ليستولي على أرضك - وقد زرعتها - ويقول:(هذا حقلي استأجرته من مالكه). . . ومالكه هو أنت يا أخي! وعجبت. . . ولكن الرجل نشر أمامي (عقد إيجار) يدل على أنك أنت كاتبه!
ونظر الفلاحون بعضهم إلى بعض وزمت شفاهم على ابتسامات فيها السخرية وفيها الإشفاق، وشعرت أنا - لأول مرة في حياتي - بأنك قد أدميت قلبي، وجرحت نفسي، وامتهنت كرامتي، وبأنني أصبحت بين الفلاحين شيئاً تافهاً! ورضيت - يا أخي - أن تخول هذا الرجل أن يقتات على حقي، وأن ينازعني ملكية غيط، وأن يقف مني موقف الند للند. . . وثارت ثائرتي. . فطردت صاحبك من الغيط. . . وطردتك من نفسي. . .