إن مائة ألف قارئ في مشارق الأرض ومغاربها، سيأخذون (غداً) العدد الممتاز من (الرسالة) وسيقرؤونه وسيحيي في نفوسهم هذه الذكرى العظيمة المحبوبة التي نقف عندها في كل رأس عام هجري، كما يقف المُصْحِر في واحة مخضرة ظليلة. . . ننشق منها عبير المجد، ونتسمع أغاريد النصر، ونتجلى في طلعتها طيف الأيام الباسمة التي كان من قطوفها ألف معركة ظافرة حملت غارها الراية الإسلامية، وألف مدرسة وألف مكتبة نالت فخارها وجنت ثمارها البلاد الإسلامية، وكان من حصادها هذه الحضارة التي نعمت في أفيائها الإنسانية، وكانت إحدى الحضارات العالمية الثلاث بل كانت أسماها (من غير شك) وأحفلها بالعظمة والفضيلة والحق!
نقف كل عام لنحيي ذكرى الهجرة ونحييها، فنكتب فيها ونقرأ ونذكر ونتأمل، ونرتفع على جناح هذه الذكرى إلى جوّ عال من العظمة والفضيلة والشرف، نبقى فيه ما بقي المحرَّم، فإذا مر مر معه كل شيء: صوّخت الآمال، وهجعت الذكريات، وعدنا نتخبط في سوداء اللجة. . . لا نربح من هذه الذكرى إلا ما يسيل على أقلام أولئك الأعلام البلغاء من طرائف البيان يحويها عدد الرسالة الممتاز، ولا نفيد من المحرم إلا ما (قد) نقرؤه في الصحف والمجلات من القصص والقصائد والمقالات. وكثير مما يكتب في العدد الممتاز، وبعض مما ينشر في الصحف والمجلات، قيم ثمين، نعتده ثروة جديدة تضم إلى آدابنا الغنية الحافلة بثمرات القرائح الخصبة الممرعة في الأعصار الطويلة، ولكن ذلك لا يكاد يجدي علينا في نهضتنا إذا نحن لم نحيي هذه الذكرى إحياءً، ونكتبها مرة ثانية على صفحات الوجود، ونأخذ منها عبرة تنفعنا في نهضتنا، وهذا ما أنشئ له العدد الممتاز، وهذا ما يراد من إصداره.
وفي هذه السيرة من القوة والسمو والحياة، ما يغذي عشرين نهضة ويمدها بالقوة، لا تدانيها في هذا سيرة في التاريخ ولا تشبهها، بل إن هذه السيرة أعجوبة التاريخ ومعجزته، وهي خيال بالغت الدنيا في تزيينه وتزويقه، وأودعته مثلها العليا كلها. فجعله الله حقيقة واقعة. .