[٤٥٠٠ ثانية في صحبة أم كلثوم]
للدكتور زكي مبارك
لم تسمح الظروف بلقاء الآنسة أم كلثوم بعد الذي دوناه من لحظات التلاقي في كتاب (ليلى المريضة في العراق) وهي لحظات قصار ولكنها جياشة بأقباس المعاني، ولو طالت تلك اللحظات لظفرنا من سحر الحديث بأطايب وأفانين
ولم يكن ذلك الحرمان عن هجر منها أو صدود، فما يستطيع ذلك الروح أن ينسى أن له مآرب وجدانية من مسامرة أرباب الوجدان، وإنما شاءت المقادير أن تصرفنا بالشواغل القاسية عن التأهب لمداعبة الأفاعي والصلال
وما معنى ذلك؟
معناه أني سأتحف أم كلثوم بصورة وصفية تبسم لها في حين وتعبس لها في أحايين، مع العرفان بأني لم أقل غير الحق في وصف ذلك الروح اللطيف
وهل لهذه الحمامة الموصلية روح لطيف؟
ما وازنت بين غناء أم كلثوم وحديث أم كلثوم إلا تذكرت قول شوقي في الصوت الحنان
وَترٌ في اللَّهاة ما للمغنِّي ... من يدٍ في صفائه ولِيانِهْ
فهذه الحمامة تغرد بلا وعي ولا إحساس في نظر من يحكم بظاهر ما يند عن شفتيها الورديتين من أغانٍ وأحاديث
فهل تكون في حقيقة الأمر كذلك؟
إن كانت أم كلثوم بلا وعي ولا إحساس فعلى الأدب والفن العفاء. وكيف تُحرم أم كلثوم قوة الروح وهي بلا نزاع ريحانة هذا العصر وأغرودة هذا الجيل؟
وأين من يزعم أن قلبه سلم من الشوق لأغاني أم كلثوم، وما مرت لحظة واحدة في المشرق أو في المغرب بدون زفرة أو لوعة تثيرها أغاني أم كلثوم؟
وهل سمع الناس في قديم أو حديث صوتاً أندى وأعذب من صوت أم كلثوم؟
تلك الفتاة هي الشاهد على أن الله يزيد في الخلق ما يشاء، فتبارك الله أحسن الخالقين!
ولكن كيف نحل هذه المشكلة: مشكلة الفرق بين غناء أم كلثوم وحديث أم كلثوم؟
الحل سهل: لأن العقدة مشتركة بينها وبين محمد عبد الوهاب وإليه وإليها انتهى الإبداع في