عبد الوهاب رجل أعمال وأم كلثوم رجل أعمال، وذلك سر العبقرية عند هذين الروحين، وهو الدليل على أن الله لا يهب المواهب لأهل التخاذل والانحلال، والزهد في جمع الثروة هو الآية الحق على التخاذل والانحلال. وغضبة الله على من يحسبني أمزح في هذا الحديث!
دعتني أم كلثوم مرة لتناول العشاء في أحد مطاعم القاهرة فأجبت الدعوة، ولكني رأيت أن أدفع عن نفسي، فاستظرفتني جداً وصرّحت بأني لم أقل غير الحق حين قلت:(إني أعظم من الجاحظ ولو غضب الدكتور طه حسين)
ولن أنسى أبداً موقف القصبجي الملحن وقد زعم أنه صائم مع أن العشاء كان في جوف الليل ولم نكن في رمضان ولا شعبان، ولكنه كان يعرف أن (حمامة الشرق) لا يسرها أن يكون القصبجي رجلاً له أمعاء تظمأ وتجوع كسائر الناس، وكيف يكون فناناً وهو يحس الظمأ والجوع؟!
أشهد أن البخل حق، وأنه من خصائص أهل العبقرية، وإلا فكيف صحبت الدكتور طه حسين عشر سنين ولم أتناول الغداء في داره غير مرة واحدة لظروف قهرية قضت بأن نمضي النهار كله في درس شواهد الشعر المنحول سنة ١٩٢٦؟
وكذلك يكون شقيق الروح محمد عبد الوهاب، فهو أبخل من الجارم بمراحل طوال، وهو إلى اليوم لا يدرك أن الدينار قد ينقسم إلى دراهم، وأن الدرهم قد ينقسم إلى فلوس، إنما الدينار دينار، فإذا انقسم فهو هباء، وإليكم هذا الخبر الطريف:
نشر الموسيقار محمد عبد الوهاب كلمات في مجلة الاثنين عن ذكرياته في زيارة العراق، وقد قرأت تلك الذكريات وأنا في بغداد فحزنت لأني عرفت منها أن الأستاذ الصراف خدعه فزين له الذهاب من دمشق إلى بغداد في سيارة عربية لا إنجليزية، وكانت النتيجة أن يقضي ثلاثة أيام بلياليها في الطريق بين دمشق وبغداد، فصممت على تأنيب الأستاذ الصراف حين أراه، ثم عظمت الدهشة وعظم الاستغراب حين عرفت من الأستاذ الصراف أن الموسيقار عبد الوهاب هو الذي اختار تلك السيارة لأن أجرتها أرخص بمبلغ لا يقل بحال من الأحوال عن دينارين!