للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ماذا أريد أن أقول؟

لعلي أريد القول بأن الاهتمام بجمع الثروة يدل على الشغف بحب الدنيا، وحب الدنيا هو الأصل الأصيل لحيوات النوازع والغرائز والأحاسيس

وحب الدنيا كان السر في عبقرية أحمد شوقي أمير الشعراء، فقد صحبته مرات كثيرة وهو يطوف على أملاكه بالقاهرة وضواحي القاهرة، وشهدت كيف ينظر إلى كل بقعة من أملاكه وقلبه يهتف: (كل مليحة بمذاق) ورحم الله شوقي، فما مات إلا وهو حزينٌ حزين على فراق أملاكه الواسعة بأرجاء هذه البلاد

وحب الدنيا هو السر في عبقرية عبد الوهاب وأم كلثوم، عبد الوهاب ساكن العباسية وأم كلثوم ساكنة الزمالك، وهل يستطيع مخلوق أن يقول إنه على شيء من الأدب أو الفن وجيوبه خاوية؟

آه، ثم آه!!

كنت غنياً وكانت لي أموال مرصودة في مصارف مختلفات، ثم شاء القدر أن أترفق بمرضاي من الملاح فأنفق عليهم ما أملك، فأنا اليوم فقير، فقير، فقير، بحيث ترفض أم كلثوم أن تكون (ليلى المريضة في الزمالك) بحجة أنها صحيحة، لا بحجة أني لم أعد أملك البر بمرضاي من ذوات الخد الأسيل والطرف الغضيض!

وهجرتي إلى العراق هي سبب هذا البلاء، فقد أعداني العراق بالكرم وراضني على البذل والجود، فأنا اليوم بلا ذخيرة ولا عتاد

ألم تسمعوا أني كنت أتمرد على رؤسائي بالجامعة المصرية وبوزارة المعارف، فكنت أملك الزهد في مناصب الحكومة في كل وقت؟

فإن صح أني صبرت أخيراً على خدمة الحكومة أربع سنين فاعلموا أن أخاكم مكره لا بطل، وأنه لم يتمرغ في تراب (الميري) إلا وهو في فاقة وإملاق

وآه ثم آه من الصبر على خدمة الحكومة أربع سنين!

وهل خلق الشعراء لهذا الاستعباد؟ وهل كان ذلك هو المصير المنشود لمن يؤمنون بفاطر النخيل والأعناب؟

ولكن لا بأس فمن واجب الشاعر الذي أخضعه الفن للقوافي والأوزان أن يقبل الخضوع

<<  <  ج:
ص:  >  >>