للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مسألة الفقر]

للأستاذ عباس محمود العقاد

سألني الأستاذ زكي مبارك عن رأيي في الخلاف القائم على مسألة الفقر بينه وبين الأساتذة: توفيق الحكيم، وسلامة موسى، وفكري أباضة، وبعض حضرات القراء

وخلاصة هذا الخلاف أن الدكتور زكي مبارك يرجح أن الفقر عقوبة مستحقة على شيء من القصور، وان مخالفيه يرجحون ان الفقر غلطة اجتماعية تصيب الناس من خلل في (المجتمع) أكثر من إصابتها أيام من تقصير في الجهود. وعندنا نحن أن الفقر داء كسائر الأدواء: يصيب المريض به من إهماله كما يصيبه من ضعفه الموروث، ويصيبه مع الحيطة إذا جرى مجرى الوباء الذي تنتشرعدواه، كما يصيبه مع ترك الحيطة في هذا الحال وفي غيرها من الأحوال

وليس في وسع أحد أن يزعم أن ميزان المجتمع سليم من الخلل في توزيع الأرزاق أو تقدير المكافآت على حسب الجهود. ففي كل أمة أغنياء لا يستحقون الغنى وفقراء لا يستحقون الفقر وإن تفاوت الخلل وتفاوت الجور وتفاوت السعي في الإصلاح.

ولست أنا ممن ينكرون فضل البراعة المالية، لأنها في الحقيقة براعة لازمة لتأسيس المرافق الاجتماعية والأخلاق القومية وتنظيم العلاقات، واستشارة الهمم، وتوزيع الأعمال التي لا يستبحر بغيرها عمران

وقد قلت منذ نحو عشرين سنة حين عرضت للبحث فيما يعاب من أخلاق المرأة خطأ وجهلاً بالبواعث النفسية:

(. . . أننا قد نرى للمرأة سبباً غير الأسباب التي تغري بحب المال وإعظام أصحابه: نرى أن كسب المال كان ولا يزال أسهل مسبار لاختبار قوة الرجل وحيلته، وأدعى الظواهر إلى اجتذاب القلوب والأنظار، واجتلاب الإعجاب والإكبار. فقد كان أغنى الرجال في القرون أقدرهم على الاستلاب وأجرئهم على الغارات وأحماهم أنفاً وأعزهم جاراً، فكان الغنى قرين الشجاعة والقوة والحمية، وعنواناً على شمائل الرجولة المحببة إلى النساء أو التي يجب أن تكون محببة إليهن. ثم تقدم الزمان فصار أغنى الرجال أصبرهم على احتمال المشاق وتجثم الأخطار والتمرس بأهوال السفر وطول الاغتراب، وأقدرهم على

<<  <  ج:
ص:  >  >>