ضبط النفس وحسن التدبير. فكان الغنى في هذا العصر قرين الشجاعة أيضاً وقوة الإرادة وعلو الهمة وصعوبة المراس. ثم تقدم الزمان فصار أغنى الرجال أبعدهم نظراً وأوسعهم حيلة وأكيسهم خلفاً وأصلبهم على المثابرة وأجلدهم على مباشرة الحياة ومعاملة الناس، فكان الغنى في هذا العصر: قرين الثبات والنشاط ومتانة الخلق وجودة النظر في الأمور؛ وهكذا تجد اكتساب المال الكثير في كل عصر دليلاً على فضل الرجل، وعلاقة توحي إلى نفس المرأة ما يعين غريزتها على اختيار أجدر الرجال بحبها وأصلح الآباء لأبنائها. فلا تثريب عليها أن تختبر مزايا الرجل بهذا المسبار السهل القريب، ولا لوم عليها أن تريد ثراء المال ولا تعدل به الفقر والفاقة. . .)
فنحن لا نبخس البراعة المالية حقها ولا نغض من نفعها في باب الخدمة الاجتماعية، ولا من دلالتها على الخلق والكفاءة العقلية، ولكننا مطالبون في هذا العصر الحديث بإنقاذ المجتمع من الخلل الشديد الذي ألم بموازين الاقتصاد ومعايير الأرزاق حتى اصبح اقتناء الثروات ميسراً للمحتال والدجال الذي لا يعطي الناس بديلاً نافعاً يساوي الربح الغزير الذي يتدفق عليه. ولعلنا نتلطف في الأمر حين نقول إنه لا يعطي الناس بديلاً نافعاً وهو في الواقع يضرهم بمقدار ما يستفيد منهم، ويحرمهم بمقدار ما يغدقون الرزق عليه طائعين أو كارهين
ومثل من هذه الأمثال أولئك السماسرة الآثمون الذين يتواطئون على إشاعة الأراجيف، وإقلاق الاسواق، واللعب بأثمان الإسناد والأوراق ليسرقوا في ساعات ما تنقضي الأعمار دون الوصول إليه بالسعي الحلال أو بالسرقة على طريقة اللصوص الأقدمين
ومثل آخر من هذه الأمثال تلك الصفقات التي تنعقد في الهواء بغير مبادلة صحيحة في البيع والشراء، وإنما هي استغلال لثقة الناس التي كسبها أولئك المستغلون بحكم مراكزهم الاجتماعية أو المالية لا بحكم الكفاءة والجهد وتثمير المال الحلال
وإذا ارتفعنا شيئاً فشيئاً من هذه الهوة الغائرة في قرارة الإجرام فقد نصل إلى الكفاءات القيمة التي تعطى الناس ما ينفعهم ويسرهم، ولكنها تتقاضاهم جزاءً لهم أضعاف حقهن وأضعاف ما يحتاجون إليه لموالاة النفع والسرور
فإخراج رواية على اللوحة البيضاء عمل قد ينفع العقول ويدخل السرور على القلوب،