قيل إن أبا بكر الخوارزمي وقف بباب الوزير الصاحب بن عباد فقال له الآذن: إن سيدي قد ألزم نفسه ألا يلج بابه إلا من كان يحفظ عشرين ألف بيت من شعر العرب، فأجاب الخوارزمي على الفور: هذا القدر من شعر الرجال أو من شعر النساء؟. . . وإذ علم الصاحب بجواب الخوارزمي قال: دعه فإنه الخوارزمي!
إنما كان ذلك رأياً قديماً في الأدب العربي، إذ كان القدامى يعدون الأديب أديباً بكثرة حفظه، على حين أن كثرة الحفظ لا تجعل من الإنسان أديباً وإنما تخلق منه (راوية). وليس أدل على ذلك من أن الخوارزمي الذي صدرنا بحكايته هذا الفصل قد هزم هزيمة نكراء حيال بديع الزمان الهمذاني، وهو الشاب الحدث، هزيمة اختصرت حياته فخانه العمر ولم يأت عليه إلا ما دون العام حتى كان في عداد الثاوين
الحق أن معنى كلمة (الأدب) قد لقي تحولاً كبيراً في سائر اللغات، ومع أننا ما برحنا ننظر إلى معنى كلمة الأدب نظرة رجعية، لا نستطيع أن نغفل التحول الكبير الذي طرأ على الأدب العربي بعد الحرب العالمية الماضية، فقد كانت لأدبنا مظاهر نحب أن نناقشها ونفحصها حتى تتكون على ضياء البحوث النضيجة عناصر الأدب الجديد بعد انقضاء الحرب الناشبة وعودة الأمور إلى مجاريها
لقد كان من مظاهر الأدب العربي فيما بعد الحرب الماضية أن اتجه الأدباء إلى الترجمة والنقل عن اللغات الأجنبية، حتى عد عدم التمكن من إحدى اللغات نقصاً لا يغتفر في الأديب، ورأي الكثيرون أن اللغة العربية وحدها لا تكفي في تكوين الأديب العربي. وكان من جراء ذلك أن ذهب الأدباء مذاهب عدة، فكانت هناك النزعة (اللاتينية) والنزعة (السكسونية) ولكل من النزعتين أنصار وخصوم، حتى لقد بصرنا بأدباء يكتبون بالعربية على حين أن أحدهم لا يطالع كتاباً عربياً مهما تكن قيمته العلمية، ومن ثم لم يكن (أدب ما بعد الحرب) أدباً إنشائياً ذا نزعة استقلالية، وإنما كان عالة على سواه من الآداب الغربية، حتى لقد صدق كاتب محدث بوصفه الأدب عندنا بأنه (مستعمرة!) فالنقل عندنا هو كل