ماذا يقول السائح الغريب إذا نزل بالقاهرة يوم الأحد فرآها - أو رأى الكثير من أحيائها - مغلقة الدكاكين والمصارف وكاتب الأعمال؟
إنه سيحار في تعليل هذه الظاهرة
وربما رفع بصره إلى الأسماء ليتبين أديان أصحابها فيزداد حيرة على حيرة، لأنه يرى بينها اسم محمد وحسن ومصطفى، كما يرى بينها اسم جرجس ونيقولا وكوهين!
فليس اليوم يوم صلاة دينية عند جميع هؤلاء، وليست البطالة لمعنى من معاني الدين يتفق عليه أصحاب الدكاكين أجمعين
العل القوم إذن خاضعون لحكومة مسيحية؟
ولا هذا أيضاً هو سبب البطالة في يوم الأحد. فأن حكومة البلد حكومة إسلامية، ولم يكن حكامها الأجانب - يوم كانوا يحكمونها - ممن يقترفون هذه الغلطة السياسية التي لا تؤمن عقباها، وهي غلطة الإكراه في مسائل المعتقدات
ولا شك أن الحيرة ستزداد وتزداد إذا طال المقام بالسائح الغريب إلى العيد السنوي المشهور باسم عيد الميلاد
أي إلى اليوم الخامس والعشرين من الشهر الثاني عشر من السنة الميلادية
فإنه سيرى أناساً من المسلمين يسهرون في ليلة هذا العيد ويحتفلون به في المنازل والمحافل، ويطربون فيه ويقصفون
أتراهم يقصدون الاحتفال لمعنى من معاني الدين؟
كلا. ولعلهم لا يذكرون ما معناه على التحقيق. ولكن العادة الاجتماعية هي التي حسنت لهم هذا الاحتفال على سبيل المحاكاة، والعادة الاجتماعية تعززها المصالح الاقتصادية هي التي عممت بين فريق من المسلمين بطالة يوم الأحد، لأنهم يربطون بالمصارف والشركات التي تنقطع عن العمل فيه، فلا يحبون أن ينقطعوا يومين كل أسبوع، ولا يستطيعون أن يعملوا أيام الأسبوع كله. فبطالة الأحد إذن أيسر الحالين
لكن ما العمل إذا كان السائح الغريب من أبناء القرن الأول للميلاد ورأى هذه الأعياد