للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[٢ - لغة المستقبل. .]

للأستاذ محمد محمود زيتون

تحية علمية إلى البرلمان الفيلسوف أستاذي الدكتور إبراهيم بيومي مدكور بك عميد الفلسفة الإسلامية بجامعة فؤاد الأول سابقا، وعضو مجلس الشيوخ، وعضو مجمع فؤاد الأول للغة العربية.

ذكرت لك أيها القارئ نبذة عاجلة عن الرياضة وفرعها السابقين وهما علم العدد وعلم الهندسة، وفي المقال نعرض للمنهج الرياضي وماله من أثر في نفوس الرياضيين بحيث يكسبهم هذا الذوق الذي يسميه العلماء الروح الرياضي.

ولعلك يا قارئ تسأل: إذ كان العقل في كل ميادينه يعتمد على التحليل والتركيب - وكل في ذاته منهج مشروع - وإذا كان العقل يستعمل القياس والاستقراء، وليس في غنية عن أحدهما أو كليهما. . . ففهم نخصص للرياضة منهجاً؟. . وما هو هذا المنهج الذي به انفردت الرياضة؟

ألا إن التجارب التي نقوم بها لا تعدو أن تكون إحدى اثنتين:

١ - تجربة خارجية أو مادية تبني قراراتها على موضوعات مادية.

٢ - تجربة داخلية أو ذهنية وهي التي قد تكون في الفكر عن طريق العالم الذي توجد صورته في مخيلتنا، وبمقتضاها نتمكن من تمثل الأعداد في نقط وأشكال.

فهل نحن نتلمس بالحدس - في هذه الأعداد وتلك الأشكال - النسب المجردة أو المثالية التي هي قوام الحقائق الرياضي؟

الحق أن دور البداهة في الهندسة غير منكر، ولكنه في نظر (رابييه) إلا عاملا مساعدا، ومحبة في ذلك لها وجاهتها: فهو يرى أن البداهة تغلو في تقدير الحقيقة المراد إثباتها، وإن كانت البداهة تلقي الضوء على طريق الاستدلال إلا أنه لا تستطيع أن يتخذ منها سندا متيناً، لأن الخطأ قد يتسرب منها إليه لإمكان نسرب الخطأ إليها.

وعلى ذلك، لا يمكن أن تعتمد العلوم الرياضية جمعاء على البداهة، ما دمنا قد افترضنا للفكر قيمة موضوعية، وإلا كانت العلوم التي تعتمد على البداهة فنوناً، وهنا تتوقف قيمة الفكر وموضوعه على (لحظات التجلي) حيث يكون العقل في حالة تصوف أو تأمل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>