بينما كانت هذه الحوادث والمعارك الدموية تضطرم في هضاب الأندلس وسهولها وتحمل إليها أعلام الخراب والموت، إذ وقع في المعسكر الموريسكي حادث خطير هو مصرع محمد بن أمية؛ وكان مصرعه نتيجة المؤامرة والخيانة؛ وكانت عوامل الخلاف والحسد تحيط هذا العرش بسياج من الأهواء الخطرة، وكان محمد بن أمية يثير بين مواطنيه بظرفه وفروسيته ورقيق شمائله كثيراً من العطف، ولكنه كان يثير بصرامته وبطشه الحقد في نفوس نفر من ضباطه؛ وتقص علينا الرواية القشتالية سيرة مقتله، فنقول انه كان ثمة ضابط من هؤلاء يدعى ديجو الجوازيل له عشيقة حسناء تسمى (زهرة) فانتزعها محمد منه قسراً، فحقد عليه، وسعى لإهلاكه بمعاونة خليلته، فزور على لسانه خطاباً إلى القائد العام (ابن عبو) يحرضه على التخلص من المرتزقة الترك، وكان ثمة منهم فرقة في المعسكر الموريسكي، فعلم الترك بأمر الخطاب، واقتحموا المعسكر إلى مقر محمد بن أمية. وقتلوه بالرغم من احتجاجه وتوكيد براءته؛ واستقبل الجند الحادث بالسكون؛ وفي الحال اختار الزعماء ملكا جديدا هو (ابن عبو) فتسمى بمولاي عبد الله محمد، وأعلن ملكاً على الأندلس بنفس الاحتفال المؤثر الذي وصفناه. وكان مولاي عبد الله اكثر فطنة وروية وتدبراً، فحمل الجميع على احترامه؛ واشتغل مدى حين بتنظيم الجيش واستقدم السلاح والذخيرة من ثغور المغرب، واستطاع أن يجمع حوله جيشاً مدرباً قوامه زهاء عشرة آلاف بين مجاهد ومرتزق ومغامر
وفي أواخر أكتوبر سنة ١٥٦٩ سار مولاي عبد الله بجيشه صوب (أورجبة) وهي مفتاح غرناطة واستولى عليها بعد حصار قصير، فذاعت شهرته، وهرع الموريسكيون في شرق البشرات إلى إعلان طاعته، وامتدت سلطته جنوباً حتى بسائط رندة ومالقة؛ وكثرت غارات الموريسكيين على فحص غرناطة (لافيجا)، وقد كان قبل سقوطها ميدان المعارك الفاصلة بين المسلمين والنصارى. وكان فيليب الثاني حينما رأى استفحال الثورة الموريسكية وعجز القادة المحليين عن قمعها؛ قد عين أخاه الدون جون (خوان) قائداً عاماً