قالت لي: بعد أيام يسافر أهلي إلى الإسكندرية، فيا حبذا لو رافقتنا فنفزغ من لفحة وتخلص من غبار القاهرة فنسعد هناك في الإسكندرية برقة النسيم ومتعة النفس وراحة الجسم وهدوء القلب!
قلت لها: يا حبذا لو فعلنا، فأنا في حاجة إلى أن يستجم جسمي من عناء العمل وأن ينفض عقلي شواغل الحياة؛ ولكنك ولا ريب تعلمين أنني عبد الوظيفة تقيدني بأغلال لا أستطيع منها فكاكا إلا أن يرضى الرئيس
قالت ومتى يرضى الرئيس؟
قلت: حين يخلص من تاريخه. . . تاريخ الذل الذي عاش فيه سنوات وسنوات فسرى في عروقه فاختلط بدمه فلا يجد منفذا إلا أن يتدفق كبرياء مصنوعة يضرب بها مرءوسيه في غير حق ولا سبب.
قالت: إذن أسافر أنا معهم وتلحق أنت حين تجد الفرصة قلت وكيف يكون ذلك ونحن زوجان لم نفترق مرة واحدة منذ سنوات سبع؟ لقد محت هذه السنوات الطوال من نفسي آثار العزوبة فما أستطيع أن أهيئ لحياتي حاجاتها ولا أن أسكن إلى دار تتراءى أمامي خربة خاوية تثير النفس وتزعج الفؤاد وتمض الروح
قالت لعلك نسيت أن الطبيب قد نصح بأن نبتغي لوحيدنا المريض نزهة على شاطئ بالحر ترد له نسمات الصحة وتبعث فيه روح القوة!
قلت لا لم أنس، وسنعمل حين نجد الفرصة.
قالت وماذا يضير إن أنا سافرت في صحبة أهلي ريثما تهيأ لنفسك فسحة من الوقت فتخف إلينا نقضي أياما فيها اللذة والمتعة؟
قلت: لا ضير؛ غير أني أوقن بأني سأعاني هنا - في وحدتي - ضيق النفس ووحشة الدار وجفوة العيش