[البريد الأدبي]
الأرحام المبلولة
أنكر علينا الدكتور زكي مبارك في (البلاغ) قولنا في افتتاحية العدد ١٣٩ من الرسالة: (وأيبست الأرحام المبلولة)، وظن أن الذي ورطنا في وصف هذا الموصوف بهذه الصفة إنما هو حرصنا على هذه السجعة التافهة! ومعاذ الله أن نكره كلمة على غير موضعها طمعاً في زينة لفظية نعتقد أن خصيصة الجمال فيها جريانها مع الطبع والصدق
لعل إنكار الأستاذ أن يكون آتياً من إحدى جهتين: إما استعمال اللغة
وإما مراعاة الذوق. فأما اللغة فحسبنا أن نورد هنا ما ذكره (لسان
العرب) ولا نزيد عليه. قال في مادة (بلل) (. . . وبل رحمه يبلها بلا
وبلالا: وصلها. وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: بلوا أرحامكم
ولو بالسلام، أي ندُّوها بالصلة. قال ابن الأثير: وهم يطلقون النداوة
على الصلة كما يطلقون اليبس على القطيعة، لأنهم لما رأوا بعض
الأشياء يتصل ويختلط بالنداوة، ويحصل بينها التجافي والتفرق باليبس،
استعاروا البل لمعنى الوصل، واليبس لمعنى القطيعة، ومنه الحديث:
فإن لكم رحماً سأبلها ببلاها: أي أصلكم في الدنيا ولا أغني عنكم من
الله شيئاً. . . أبو عمرو وغيره: بللت رحمي أبلها بلا وبلالا: وصلتها
ونديتها. قال الأعشى:
أما لطالب نعمة تممتها ... ووصال رحْم قد بردت بلالها
وقال الشاعر:
والرحم فابللها بخير البُلان ... فأنها اشتقت من اسم الرحمن
وأما الذوق فهناك ذوقان: ذوق أبناء العرب، وذوق (أبناء البلد)، فأما ذوق أبناء العرب فقد رأيت حكمه في هذا الاستعمال من وروده في الحديث والشعر، وتسجيله في معاجم اللغة