ضرب العرب بسهم وافر في الأدب والاجتماع والفلسفة والسياسة والفلك والكيمياء والطب وتخطيط البلدان وغير ذلك، فكانت مدنيتهم رائعة لم ينكرها المنصفون من علماء الغرب الذي نقلها وبني عليها
والى جانب هذه الفنون فن الزخرفة والعربيات التي يقوم أساسها على نبات عرف العرب كيف يبرعون في تعديد أوضاعه الهندسية براعة أثارت إعجاب هؤلاء العلماء الذين شهدوا لهم أيضاً بعلو كعبهم في فن الإنشاء والعمارة كما تنطق به جوامع القاهرة وقصر الحمراء بالأندلس وغيرها مما يعد من أعاجيب الآثار.
نعم، إن الطراز العربي غير مبتكر ابتكاراً لأنهم حين هبطوا إلى مصر والأندلس ووقعت عيونهم على آثار الفن البيزنطي فيهما استخلصوا منه عنصراً لطرازهم، وحسبهم أنه مع تصويره للروح العربية جمع بين المقدرة والحسن والرشاقة.
وهكذا برهن العرب على مقدرتهم الفنية وعلى تسامحهم واحترامهم تلك الآثار فلم يعبثوا بها كما فعل (الانكوكلاست) أولئك النساك المتطرفون بآثار بيزنطة لما سيطروا على الحكم بها في القرن التاسع وصدر القرن العاشر، إذ قضوا على الفن المسيحي فهشموا تماثيله وشردوا فنانيه حتى قصد بعضهم إلى اكس لاشابيل للخدمة في بلاط الملك شرلمان.
تلك هي شهادة أولئك العلماء في العرب بالنسبة لفني الزخرفة والإنشاء والعمارة، ولكن الذي نعرض له اليوم هو، هل زاول العرب أيضاً فن التصوير، وهل برعوا فيه كما برعوا في غيره؟ وهل كان من بينهم أساتذة مهرة كالذين ظهروا في أوروبا من عصر النهضة إلى الآن؟
أكثر الباحثين يذهبون إلى أن التصوير كان محرماً على المسلمين، وأن هناك أحاديث نبوية بهذا المعنى منها حديث:(أن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون).
وقبل أن نطرق هذا البحث نلفت النظر إلى مبلغ تبجح الغربيين بأنهم هم المنفردون بفن التصوير والأساتذة المبرزون فيه، لأن فن قدماء المصريين ما كان ليتجاوز مجرد التخطيط، على حين أنهم هم الذين اهتدوا إلى فكرة الظلال بأنواعها مما جعلهم يخرجون