وقد عجل القانون في إنفاذ قانون الحروب اللاتينية، واشتدوا في ذلك لا يستثنون الكتب التي في المطابع، قد طبع بعضها بالحروف العربية ولما يتم طبعها، فسارع بعض المؤلفين إلى إكمال كتبهم قبل الموعد المحدود، ودون الكمال المنشود، ويئس آخرون أن يتموا كتبهم قبل الأجل المضروب وعجزوا بل كرهوا أن يكملوها بالحروف الجديدة فيجعلوها ذات خطين أعجمي وعربي، فوقفوا بها حيث وقف بهم القانون الجديد. واعجب ما في هذا أن أحد الأدباء الكبار كان يطبع معجماً كبيراً واخرج منه مجلدين، ولم يسوغ له القانون أن يكمله بالحروف العربية فيما يحتاج إليه من وقت، وعجز هو وعجز الفكر الإنساني أن يكمل هذا المعجم بالحروف اللاتينية على ترتيبها بعد أن طبع معظمه بالحروف العربية على ترتيبها فبقى ناقصاً حائراً بين القديم والجديد.
كأنما محا الترك العثمانيون من تاريخهم ستة قرون حين اختاروا للغتهم الحروف اللاتينية. فهل هم يعترفون، كما قال ذلك الأديب الفارسي، إن لهم تاريخاً لا يضيرهم أن يمحي منه ستة قرون؟ وليت شعري هل لهم في التاريخ غير هذه القرون الستة؟ مثل لنفسك صبياً تركياً ممن تعلموا القراءة بالحروف الجديدة يدخل اليوم جامع الفاتح أو سليمان فينظر إلى أسماء الصحابة فلا يدري ما هي وينظر إلى اسم الفاتح واسم سليمان القانوني فلا يدرك منهما حرفاً وتصوره في بروسه في اولو جامع (الجامع الكبير) الذي جعل الخطاطون الترك على مر العصور جدره معرضاً لبدائع الخط وفنونه، تصوره ينظر إلى آثار أسلافه فلا يتبين منها شيئاً ويودلو كتبت بالحروف اللاتينية. وتصوره كذلك أمام كل اثر عظيم من آثار المسلمين. وتصوره وقد شب وقوى على الدرس والبحث يذهب إلى مكتبات استانبول فيرى من آثار أسلافه، وكل المسلمين أسلافه أكداساً لا يفقه منها حرفاً إلا بدرس خاص. الست ترى هذا الناشئ مقطوعاً من تاريخه، غريباً عن قومه، الست تراه يتيماً حرم ميراث آبائه وجنى عليه سفه أوصيائه؟
وقد ذهب مع الحروف العربية فن جميل بلغ فيه الترك الغاية وتنافس في تجويده سلاطينهم