وأمراؤهم وكبراؤهم فأتوا فيه بآيات الجمال وحلى التاريخ؛ وشد ما يهيج الحسرة أن تسير في شوارع استانبول عند الباب العالي فترى الخطاط التركي الماهر وقد كدست بضاعته، وحاولت أن تجاري الزمان صناعته، فكتب على مكتبه بالحروف اللاتينية أي خطاط.
سيقول بعض الناس أن هذه العواطف لا ينبغي أن تعوق سير الامم، وانا أقول لو كان هذا سيراً ما اعترضناه، ولو كان إصلاحا ما عارضناه، ولكنه تقليد يعصف بتاريخ الآباء ويزلزل أقدام الأبناء، ويقطع سنن الأمة كما تقطع جذور الشجرة.
وقد وصل الكماليون عملهم في الحروف العربية باجتهادهم في نبذ الكلمات العربية والفارسية. زعموا أنهم يريدون إنقاء اللغة التركية من الكلمات الدخيلة، فما بالهم يخرجون كلمة عربية ليضعوا مكانها كلمة أوربية؟ كانوا يسمون معهد الأبحاث التركية (تركيات مؤسسه سنى) فمحوها وكتبوا (تركيات أنستيتوسي) فلماذا آثروا كلمة على مؤسسة، وهي كلمة هم واضعوها في العربية وعنهم أخذها العرب؛ وكم كان لهم من حذق وذوق سليم في وضع مصطلحات علمية باللغة العربية التي اتخذوها هم وسائر المسلمين كاللاتينية عند الأوربيين. وكانوا يسمون الجامعة (دار الفنون) فسموها وكذلك وضعوا مكان معلم ومدرس وغيرهما من ألقاب الجامعة ألقاباً أخرى أخذوها من الألمانية، ومثل هذا كثير. فليس بالقوم الإصلاح أو العصبية التركية، ولكنه بغض العربية. وإذا تحكم البغض والحب في تصريف الأمور لم يبق للحق والهدى مكان.
وكان لهم في العام الماضي مؤتمر لغوي تكلم فيه أستاذ في الجامعة فقال: إن بين العربية والفارسية والتركية علائق يجب الإبقاء عليها، فطرد من المؤتمر ومن الجامعة، تقديساً للحرية التي يتغنى بها الكماليون! وسمعت أن حسين جاهد، وهو من الدعاة الأولين إلى العصبية التركية في اللغة قال في المؤتمر إن إنقاء اللغة يتم على مر الزمان، ولا تصلح فيه الطفرة. فشتم وأُسكت وأوذى، ولو كان الأمر بحثاً وإصلاحاً لا تسع للآراء المختلفة، وأخذ فيه بالنظر والرؤية. وقد سمعنا أن الفرس يريدون أن يحذوا حذو الترك في هذا. ونحن لا نكره أن يأخذ الشرقيون بعضهم عن بعض، وأن يزول العداء القديم بين الفرس والترك، وينسوا ما تصفه الشاهنامه من حروب إيران وتوران، وما يحدث به التاريخ من جلاد الصفويين والعثمانيين. أجل، أدعو الله أن يؤلف بين الأمتين، ولكن لا أحب أن يقلد