بعضهم بعضاً في هذه الترهات، وتتقيل إحداهما الأخرى في هذه الضلالات.
نحن لا ننكر على الترك والفرس أو يؤثروا الكلمات التركية والفارسية على الكلمات العربية حين يحسون الحاجة إلى ذلك، ويدعوهم إليه إصلاح اللغة وتجميلها، وإنما ننكر عليهم أن يفعلوا ذلك بغضاً للغة العربية، وإيثاراً لتقطيع الأوصال بين الأمم الإسلامية. إن في الفارسية والتركية اصطلاحات علمية وأدبية كثيرة، بل تكاد تكون اصطلاحات الآداب والعلوم كلها عربية، وهذه الاصطلاحات هي من أعظم الروابط بين الأمم الإسلامية. وفي حذفها مفاسد كثيرة، منها إنهم يحرمون أنفسهم اصطلاحات وضعت واستقرت، وتحددت، وأحكمها الاستعمال في عصور متطاولة. وليس الاصطلاح على الكلمات، وخلق اللغة العلمية بالأمر اليسير، والثاني أنهم يباعدون بين اللغة العلمية القديمة واللغة العلمية الحديثة، وفي ذلك ما فيه من الفصل بين قديم الأمة وحديثها، والحيال بين المحدثين وما كتب أسلافهم، وبين مؤرخي الآداب وفقه أطوار الأدب الأولى.
والثالث أنهم يقطعون الوشائج بين آدابهم والآداب الإسلامية الأخرى التي شاركهم أهلها في تأليف حضارة واحدة، على حين يسعى الناس للتقريب بين الآداب واللغات ولا سيما اللغات العلمية، وهم أنفسهم من الساعين للتقرب إلى أهل أوربا أو الفناء فيهم. فلماذا الوصل من ناحية والقطع من ناحية أخرى، والتقرب إلى قوم والتباعد من آخرين؟ بل لماذا التقرب من الأعداء، والتباعد عن الأصدقاء، وحب الأمم الأوربية وبغض الشعوب الإسلامية؟ هل لذلك من تأويل؟
والرابع أنهم يعسرون لغتهم على طلابها من الأمم العربية خاصة والأمم الإسلامية عامة، والأمم تسعى اليوم لتيسير لغاتها وتسهيلها على طلابها.
لست أقول هذا إشفاقاً على اللغة العربية، أو عصبية لها، فليس يحس المتكلم بالعربية والقارئ فيها أن ألفاظاً منها مستعملة في الفارسية والتركية أو غير مستعملة، ولا يهتم بهذا إلا حين يدرس الفارسية والتركية، ودراسة هاتين اللغتين من شؤونهما لا من شؤون العربية، وإنما يعني إلا تقطع الصلات بين أمم عاشت دهوراً متآخية متعاونة كأنها أمة واحدة. وإنما يدعوني إلى الجدال أن الأخوة الإسلامية، والجامعة الإنسانية، تنفر من هذه العصبيات القاطعة، والنعرات المفرقة.