وفي اللغة العربية كثير من الكلمات الفارسية عُربت وأدمجت فيها، وصيغت على أوزانها، وما يفكر العرب في إخراجها من لغتهم؛ ثم إلا يرى الفرس أنهم إن ذهبوا مذهب الترك في أمر اللغة ثار عليهم الأفغان والهند المسلمون وأهل كثغر وما وراء النهر ثورة أدبية فنبذوا إليهم لغتهم التي اتخذوها لساناً أدبياً، ثم اجتهدوا في إخراج الكلمات الفارسية من لغاتهم؟
أضرب لإخواننا مثلا أوربياً، فأن الشرقيين لا يعرفون الحق إلا إذا شهدت به (ماركات) من أوربا:
هذه اللغة الإنكليزية، وهي ما هي انتشاراً بين الأمم، وذيوعاً في الشرق والغرب، فيها كثير من الألفاظ اللاتينية والجرمانية، ومعظم اصطلاحاتها في الآداب والعلوم لاتينية. وقد وقع ما وقع بين الأمم اللاتينية والإنكليز من حروب متمادية، وما فكر الإنكليز في أن يجمعوا الكلمات اللاتينية وينبذوها إلى اللاتين كراهة لهم، أو عصبية للغتهم، ما فعل القوم هذا، لأن لهم من جلائل الأعمال ما يشغلهم عن هذه السفاسف.
القوم يذهبون مع الحياة مذاهبها، ويتوسلون لها بخير وسائلها، فلا تتسع أوقاتهم للمناقشات في الحروف والألفاظ، ونحن نغمض أعيننا عن أواصر تجمعنا، وآلام وآمال تقرب بيننا، وتقلب تاريخنا لنعثر على عداوة قديمة، أو حرب ذهب الزمان بذكراها وآثارها، لنخلق منها قطيعة جديدة، ونثير بها خصومة جديدة. كاد الإنكليز والألمان يتفانون ويفنوا الأمم معهم منذ خمسة عشر عاماً؛ وهم الآن يمدون أيديهم للتعاون والتعاهد! فأين يذهب بكم أيها الشرقيون وإلى أين تساقون أيها المسلمون؟ ذلك كلام واسع الجوانب، بعيد الأغوار، لا يتسع له هذا المجال. ولعل لي إليه عودة إن شاء الله.