من الأخطار التي تهدد المدينة الحديثة نقص احتياطي البترول في العالم، فقد استنفدت أدوات الحرب كميات طائلة منه. ولهذا اتجهت أنظار الساسة والاقتصاديين إلى مد أنابيب البترول عبر شبه جزيرة العرب لاستغلال آباره مع ما يتكلفه هذا المشروع الضخم من نفقات كبيرة. ولقد أجهد الكيمائيون والعلماء أذهانهم ليحصلوا على موارد جديدة تزيل المخاوف المقبلة.
وكان من أمتع الأبحاث وأغربها بحث الدكتور كلود زوبل الذي تجاوزت مدته ١٥ سنة، قضاها لا يحفر الأرض ليعثر على آبار جديدة للبترول، بل منقباً عن حشرة صغيرة تحول المواد الأولية إلى بترول. ووفق أخيراً إلى العثور على ضالته فكان لكشفه أهميتان مزدوجتان.
أولهما أن البحث عن آبار البترول لن يحتاج إلى حفر إغوار بعيدة، ولا إلى استعمال المجسات المختلفة، بل سيبحث العلماء بعد ذلك سطح الأرض للعثور على هذا النوع من البكتريا، فإن وجودها فقد وجدوا الآبار.
والثانية أن دراستنا لهذا النوع من البكتريا ستتيح لنا معرفة الوسيلة التي يتكون بها البترول في الطبيعة، فيستطيع الإنسان بوسائله الصناعية الإسراع في إنتاجه بالمقادير اللازمة.
فمنذ خمس عشرة سنة اقتنع الدكتور زوبل بأن نوعاً من البكتريا يقبض بيده على سر إمداد العالم بالزيوت، فنقب ودرس ما وسعته الدراسة وهو يوفق في كل فترة إلى كشف جديد يبطل فكرة قديمة أو يقدم للعام معلومات جديدة - فعثر على قائمة طويلة بأنواع البكتريا لم يسمع عنها الناس، ومنها ما تحول الدهنيات النباتية أو الحيوانية إلى مواد بترولية. ولكن الميكروبات لم تكن ثابتة الإنتاج فأحياناً تترك بقايا زيتية وأحياناً ترفض.
واتجه تفكير وبل إلى ناحيتين، فأما أن البكتريا تنتج البترول بشروط خاصة وإما أنه يجرب في أكثر من نوع واحد منها، وأي الاحتمالين يقض مضجع صاحبه. ففي أي الظروف تنتج البكتريا الزيت؟ وكيف يحصل على البكتريا الأصيلة نقية؟