تحدثت إلى القراء في عدد مضى من الرسالة عن المفكر التركي الكبير ضياء كوك آلب وعن أثره العظيم في تنشئة جيل يفهم للقومية معنى صالحاً، ويقيم للإنسانية وزناً عادلاً.
وأعود إليهم اليوم لأحدثهم عن أحد تلامذته المعروفين في الأوساط العلمية العالية، وأعني به العلامة فؤاد كوبريلي الذي سطع نجمه في تلك الأوساط بما أسداه من خدمات جليلة في رفع شأن الأدب الشرقي؛ وإلباسه تاريخ التصوف ثوباً قشيباً من نسج الحقيقة؛ فنال بذلك استحسان الأندية الثقافية وكوفئ بشهاداتها العالية وأوسمتها البهية الغالية التي لم يفز بها أحد من علماء الترك قبله، فاستحق من جانب الحكومة التركية كل إعجاب وتقدير، حتى ضمته الأمة إلى صدرها فكان كوبريلي من بين الثلاثة الذين أسسوا الحزب الديمقراطي في تركيا وذلك سنة ١٩٤٦. فهو اليوم بلا شك قطب من أقطاب السياسة الذين يديرون دفة الحكم في تركيا.
ولنضرب في هذه العاجلة صفحاً من حياته السياسية القصيرة التي لا تتجاوز العشر سنوات الأخيرة من عمره، ونجعل موضوع بحثنا يدور حول ترجمة مختصرة لحياته، ودراسة مجملة لآثاره، وأخيراً ذكر أقوال الكبار من المستشرقين والعلماء فيه.
ولد كوبريلي في سنة ١٨٩٠م بمدينة الآستانة من عائلة (كوبريلي) المشهورة في التاريخ العثماني برجالاتها البارزين في السياسة والتنظيم، والمعروفين بنشر الثقافة والتعليم.
وكان هو خلال دراسته الثانوية والجامعية (حيث درس في كلية الحقوق) مثالاً للجد والنشاط فتميز بين أقرانه بذكائه الوقاد وامتاز عليهم بما كان ينشره بين حين وآخر من البحوث القيمة والمواضيع الشيقة في الأدب والتاريخ مما لفت غليه الأنظار فاهتمت به الحكومة إذ رأت أن الحاجة إليه عاجلة فعينته مدرساً في كلية دار القانون قبل أن ينال شهادة الحقوق ودون أن يتجاوز سن الثالثة والعشرين.
وقد درس كوبريلي التاريخ السياسي في المدرسة الملكية (كلية السياسة) وتاريخ المدنية في معهد الفنون الجميلة في حين أنه كان أستاذاً محاضراً في كلية الشريعة.