قرأت في عدد مضى من الرسالة ما كتبه الأستاذ نصيف المنقبادي المحامي، وقد راعني ما فيه من الخلط بين التحقيقات العلمية والنتائج التي وصل إليها العلم وبين بعض فكرات عتيقة في الكون مستمدة من التفكير الفلسفي، لا تجد مكانا اليوم في عالم العلم. وأي فكرة أدخل على العلم من القول بأن المادة (أو مجموع المادة والطاقة) قديمة والاستناد إلى مثل هذه المبادئ الفلسفية للاعتراض بها على نتائج انتهى إليها العلم في المعمل والمختبر وحققتها التجارب على مدى طويل من الزمان. والواقع أن التفكير العلمي الحديث يرفض مثل هذه الآراء المرتجلة (ولا يعرف من مفهوم المادة والطاقة إلا أنهما عقدتان في عالم الزمان - المكان) وقد سبق أن أشرت إلى بعض هذه الحقائق في البحث الرياضي الذي نشرته لي مجلة الرسالة لأربع سنين خلت عن نظرية النسبية الخصوصية وقلنا في ذلك الحين ما نصه:
(ليست المادة كما يعبر عنها العالم الطبيعي الكلاسيكي، بأنها كل ما كان لها امتدادات ثلاثة في المكان، بل المادة مجموعة توالي الحادثات في نقطة واحدة من نقط عالم الزمان - المكان، وذلك بمعنى أن العالم ليس إلا مجموعة من الحادثات وتوالي عدد من هذه الحادثات في نقطة واحدة يلقى في روعنا معنى المادة)(الرسالة السنة الرابعة العدد ١٤٠. ص ٣٨٧).
ومعنى هذا الكلام أن العلم الحديث يرفض فكرة المادة في مفهومها القديم الذي يعتبرها (الشيء الذي تتقدم به الصور) وهذا الرفض أقرب إلى إنكار المادة إذا أخذنا المادة على هذا المفهوم وهذا الكلام يمكن شموله أيضاً الطاقة ومفهومها وبعد ذلك تجد الصورة العلمية الجديدة للمادة والطاقة أقرب إلى - أعني الفلسفة التي لا تري شيئاً وراء المظاهر الطبيعية.
وإذن في مثل هذا التفكير لا يمكن التكلم عن القدم والحدوث، ومفهوم اللاتناهي في القدم لا معنى له في العلم الحديث.