الجمال في هذا الوجود كثير، ولكنه ليس رخيصاً؛ ولذلك كانت معرفته والاستمتاع به شان فئة معينة من الناس. وكان من أهم ما نظرت إليه الجامعات الأوربية الحديثة وجوب تدريس مادة علم الجمال ضمن دراسة الفلسفة، ومادة تاريخ الفن العام وعلم الآثار بعد إكمال دراسة التاريخ والجغرافيا؛ فبالأولى نتمكن من معرفة الجمال بقواعد تؤدي إلى ترقية حواسنا وتهذيب تقديرنا، وتقريب استمتاعنا من الكمال، وما ينبني على هذا كله من تمهيد السبيل إلى إكمال سلسة التطور الفني والوصول بها إلى الغاية المقصودة دون ركود أو انحطاط. وبالثانية نسجل ماضي الفن تسجيلاً علمياً نقيس به الحضارات ونعمل على ربط الحاضر بالماضي وبالمستقبل فيكون التطور طبيعياً والتقدم منتظراً
وإذا رجعت إلى حضارة أي شعب أو أمة، وجدت أن الآثار والفن من أهم مواد التسجيل لمقياس مدى هذه الحضارة؛ فكأننا بدراساتنا هذه نقصد الوصول إلى معرفة الوسائل التي بها نستطيع تكوين حضارة حقيقية ترجع في جوهرها إلى معرفة نواحي الجمال الفني، فضلا عن الاستمتاع واللذة نتيجة صدق التقدير.
وإذا نظرنا إلى مصر وجدنا أن الفن فيها عظيم، وان الطبيعة منحتها الكثير من جمالها، ومع هذا يجهل كثير من أبنائها ما فيها منه، وليس جهلهم هذا نتيجة مباشرة لجهلهم العام دائماً، ولكنه نتيجة لإهمال مدارسنا لعلم يعد اليوم من أهم العلوم الدراسية في أوروبا التي نأخذ عنها الكثير.
والظاهر أننا بحسب مولدنا والبيئة التي نشأنا فيها قليلو التأمل فيما نراه - وأثر ذلك واضح في كثير من تصرفاتنا العامة حتى في مطالعتنا، ترانا نقرأ ما نقرأ بطريقة أوتوماتيكية خالية من الأخذ والرد تبعدنا غالباً عن الاستمتاع.
وإذا نظرنا إلى الطبيعة فإننا قد لا نستطيع أن نتذوق ما يسميه الغير جمالاً؛ وإذا شاهدنا