لم يكن عبثا أن يسمى فلاسفة الإسلام أرسطو عظيم حكماء اليونان والرجل الإلهي، وأن يرفعوه إلى منزلة لم يسم إليها واحد من الفلاسفة السابقين أو اللاحقين. ذلك لأنهم وجدوا لديه حلولا لكل مشكلة اعترضتهم، ووقفوا في كتبه على مختلف المعلومات التي تاقت إليها نفوسهم. ودائرة المعارف الأرسطية واسعة وشاملة حقيقة بحيث يصادف الإنسان فيها كل المسائل الفلسفية مدروسة دراسة مفصلة أو مشارا إليها على الأقل. ولا تكاد توجد مشكلة من المشاكل الحديثة إلا وفي عبارات أرسطو ما يتصل بها تصريحا أو تلويحا. ويمكننا أن نقول إن هناك كتبا دبجها يراع أرسطو على أن تخدم فلاسفة الإسلام أولاً وبالذات. وحظ كتابٍ ما لا يقاس في الواقع فقط بمقدار ما يحوي من أفكار، بل يرجع أيضاً إلى ما يحيط به من ظروف ومناسبات. فقد يكون ثانويا في نظر مؤلفه، ولكن الخلف يقدره تقديرا كبيرا لأنه اهتدى فيه إلى أجوبة على أسئلة العصر وحلول لمشاكل الجيل. ومن هذا الباب تماما رسالتان صغيرتان لأرسطو لا يذكران في شيء قطعا إذا ما نسبا إلى مجموعة مؤلفاته، ومع هذا صادفا نجاحا عظما في الفلسفة المدرسية الإسلامية ونعني بهما رسالة الأحلام أو ورسالة التنبؤ بواسطة النوم ونحن لا ننكر أن هاتين الرسالتين تحتويان على ملاحظات دقيقة في علم النفس فاقت كل النتائج التي انتهت إليها المدارس القديمة، وإن تلاميذ أرسطو وأتباعه من المشائين اليونانيين عنوا بهما عناية خاصة. ولا سيما الأحلام وتعبيرها كانت من المسائل التي شغلت العامة والمفكرين في القرنين السابقين للميلاد والقرون الخمسة التي تليه، وبعبارة أخرى في ذلك العصر الذي سادت فيه العرافة والتنجيم. غير أنا نلاحظ إن الرسالتين الآنفتي الذكر أحرزتا في العالم العربي منزلة لا نظير لها، ولا نظن أن أرسطو نفسه كان يحلم بها. ويكفي لتعرف هذه المنزلة أن نشير إلى أنهما الدعامة الأولى التي قامت عليها نظرية الأحلام والنبوة عند الفارابي.
لا نظننا في حاجة إلى أن نثبت أن هاتين الرسالتين أرسطيتان، فأسلوبهما وطريقتهما دليل واضح على ذلك، وأرسطو يشير إليهما في بعض رسائله الأخرى الثابتة. وقد تولى زلر