لويت عنان فرسي نحو مصدر الصوت الآمر، ولكن العثير الذي أثارته
حوافر الشياه حال دون أن أرى شيئاً، وصبرت قليلاً فلاح لي خلال
ذرات التراب الحائرة أربعة أشباح قد اعترضت سبيل الماشية فحالت
دون سيرها، ولما همد الغبار تبينت في الأربعة الأشباح أربعة رجال
قد ضرب كل منهم لثامه على وجهه فلم يبن منه إلا عينان كعيني
الصقر، وتمنطق كل منهم بحزام من الرصاص لمعت ظروفه النحاسية
تحت أشعة الشمس المائلة للمغيب، وسدد كل منهم فوهة بندقيته الكامدة
نحونا، لا يتحرك ولا تطرف عينه.
وانطلق الصوت الآمر مرة أخرى أجش:
- مكانكم قبل الهلاك!. . .
وأدرت رأسي ببطء نحو رفاقي في رحلتي، وكانوا ربعة نفر من جنود الشرطة السورية، فتبينت وجوهاً علاها الاضطراب، ورؤوساً منكسة الأذقان؛ ورأيتهم وكل قد خفض بصره فزعاً، يخالسون الأنظار ويسترقون الرؤية؛ فكدت، أنا موظف الحجز في محكمة (الرقة) أقهقه في الموقف العصيب من أمر هؤلاء النفر، يرتعدون هلعاً وفي كتف كل منهم بندقية كأنما علقت بإشارة ناطقة على الجبن والخور.
وساد صمت قصير لم يقطعه إلا حوافر الخيل تضرب الأرض، وارتفع بعدها الصوت الأجش: