قرأت في مقال (إبراهيم بك مرزوق) المنشور في العدد السابع والخمسين من الرسالة بقلم الأستاذ محمود خيرت فيما روي عن المرحوم المنفلوطي هذا البيت:
مضى بها ما مضى من عقل شاربها ... وفي الزجاجة باقٍ يطلب الباقي
أورده في قصة حكاها عن رجل قال إنه كان رئيساً (باشكاتب) لكتبة محكمة إسكندرية الشرعية؛ ثم قال الراوي:(ولا أدري إذا كان هذا البيت من مقولة أو قديم).
والبيت قديم من قصيدة لعبد الله بن العباس الربيعي يقول فيها:
ومستطيلٍ على الصهباء باكَرَها ... في فتيةٍ باصطباح الراح حُذّاقٍ
يمضى بها من عقل شاربها ... وفي الزجاجة باقِ يطلب الباقي
فكل شيء رآه خالُه قدحاً ... وكل شخص رآه ظنه الساقي
والذي نسبتْ إليه القصة لم يكن رئيساً للكتبة، ولكنه كان أحدهم، واسمه الشيخ احمد، وكان مليح النادرة معروفا بالنكتة، سمعت عنه مضحكات كثيرة، منها انه كان ذات يوم نازلا من المحكمة فالتقى برجل صاعد يطلب مقابلة الرئيس، فسأله الرجل:
يا شيخ احمد هل الرئيس فوق؟. قال هو فوق ولكن أعضاءه نزلتْ. . ومنها أن عمى المرحوم الأستاذ الشيخ عبد الرحمن الرافعي، وكان نقيباً لمحكمة إسكندرية، سئل في ميراث يراد معرفة ما يُفرض منه لكل وارث، وكان الشيخ احمد هذا يكتب عنه الفتاوي، فكلفه المفتي أن يعمل ما يسمونه (شبّاكا) وهو رسم ذو بيوت يُذكر فيه الورثة أصولا وفروعا وفريضة كل منهم، ولما كان الغد سأله: يا شيخ احمد هل عملت (الشباك)؟ فقال يا سي الشيخ: ما ليش (طاقة).
أما النادرة التي رواها الأستاذ خيرت وحكاها له المنفلوطي فليست بصحيحة على ذلك الوجه البتة، إذ لا يعقل أن عالما فاضلا رئيساً لمحكمة شرعية يقول لرجل: أنت طالق.
والذي روُي لي أن أحد الموظفين مع الشيخ احمد قاطعة مع طريقته فطلقه ثلاثاً، وجاء الباقون يسعون في الصلح بينهما وأخذوا المعتدِي إلى المعتدَي عليه ترضيةً له، فلما دخلوا (بالمطلق) على الشيخ احمد فعل بجبته ما تفعل المطلقة بملاءتها إذا استترت ممن لا تحلُّ له. . فضحك الجميع وشاعت النادرة، ولعل الشيخ احمد نظر فيها إلى نادرة قريبة منها رواها صاحب الأغاني في كتابه والله أعلم.