[الجندي القديم]
للأستاذ فخري أبو السعود
لقد كان يوما شديد الأياد ... رشيق القوام نضير الصِّبا
يقضِّى مع الصحب ساعَ السرور ... وينهب والغيدَ صَفوَ الهوى
وتحلو أحاديثه للرفاق ... إذا جمعتهم كؤوس الطلى
فَنَبَّهَهُ ذات يوم نداءٌ ... إلى الحرب يدعو فلبَّى النِّدا
لِيحمى أوطانه في الحماةِ ... ويدرأ كيد عدوِّ طغى
ويَدفَعَ عن أرضه فهي كهف ... الحضارة طرَّا ومأوى العلا
ويقتحم الموت من أجلها ... ويَلقى الحديد ويَصلى اللظى
ويأخذ بين الصفوف مكان ... الأُلَى طحنتهم تروسُ الرحى
فقاسى أذلاها وأهوالها ... ودافع ما شاء أو لم يَشا
وصادف في كل يومِ حماماً ... وذاق من الخوف ألْفَىْ رَدَى
فإذ كادت الحرب أن تنجلى ... ويَطرِحَ الجند ذاك العنَا
وآن له أن يعود قريراً ... لأوطانه بعد طول النوى
أُتيح له قاذفٌ فرماه ... بمارج نارٍ إليه هوى
فطاح بساق له بعد ما ... تراءى قريباً بعيد المنى
ولم يَدرِ ثَمَّتَ مَنْ ذا رماه ... ولم يدر واتِرُهُ مَن رمى
وأيَّ فؤادٍ دَهى فأثارَ ... به الحسراتِ طِوالَ المدى
وما اجتمعا قبلها في مكان ... ولا التقيا بعد ذاك اللقا
ولكنها محن ثَمَّ تهوى ... على خائضيها هُوِىّ القضا
فآب بساقٍ إلى قومه ... وقد غُيِّبَتْ أختها في الثرى
فقلده الحاكمون وساما ... وأثنوا عليه جزيل الثنا
وقالوا افتدَى وطناً غاليا ... بِعضوٍ ثمين فنعم الفدى
وأجرَوْا عليه الكفاف جزاءً ... على ما سعى وعلى ما جنى
وعاد إلى داره مفردا ... يقَضِّي الحياة إلى المنتهى