[بدع التشبيه. . .]
للأستاذ عباس محمود العقاد
جاءني خطاب من (مستفسر) يسألني فيه بعض التوضيح لمسألتين عرضت لهما في محاضرة عن (الأدب المصري بين حربين) ألقيتها في نادي خريجي القسم الإنجليزي بالجامعة المصرية. وهما بدعة التشبيه والروايات التي تسمى بالملاحم الاجتماعية.
أما بدعة التشبيه فقد كانت مناسبة الكلام فيها أن أدباء الصناعة كانوا يحسبون الوصف فرصة لاختلاق الأشباه التي لا أصل لها في الطبيعة ولا في إحساس الشاعر. فكان الشاعر يصف الدمع الأحمر لأنه استنفد ماء شئونه فجرى الدمع من دم مآقيه، فيأتي بعده من يعارضه بوصف الدمع الأخضر أو الدمع الأسود أو الدمع الأصفر إلى غير ذلك من الألوان التي لم تشاهد قط في عين إنسان.
فمن تعليلاتهم لاحمرار الدمع قول الأرجاني:
دنون عشية التوديع مني ... ولي عينان بالدم تجريان
ولم يمسحن إكراماً جفوني ... ولكن رمن تخضيب البنان
فالدمع هنا نوع من صبغة الأظافر أو صبغة الأنامل التي تقابل (المانيكور) في هذا الزمان.
ولكنه عند ابن سيناء الملك انعكاس لون الخدود:
لا تحسبوا أني بكيت دماً ... ولئن بكيت فليس بالبدع
لكن دمعي حين قابله ... ألقى شعاع الخد في الدمع
وكذلك هو عند الباخرزي حين يقول:
شكوت الذي ألقى سهاداً وعبرة ... وقلت احمرار الدمع يخبر عن وجدي
فقال محال ما ادعيت وإنما ... سرقت بعينيك التورد من خدي
أما ابن الساعاتي فالدمع عنده مطر، والمطر من البرق، والبرق كالصفائح الدامية. . . فلا عجب أن تجري الدموع بلون الدماء كما قال:
سلوا بالحمى أين الظباء السوانح ... وهل ظل بعدي بانه المتناوح
جرى ماء عيني يوم كاظمة دماً ... فأعلمني أن البروق صفائح
وتتحول المسألة إلى أنبيق تقطير عند يوسف بن لؤلؤ الذهبي فيقول: