بدأ السباق يدق بين الفرقتين اللتين تنهضان بفن التمثيل في مصر، وأعني بهما (فرقة المسرح المصرح الحديث) و (الفرقة المصرية) في تقدم المسرحيات التي تتجاوب مع الموقف الوطني الجليل الرائع الذي تقفه البلاد هذه الأيام. وتتفق مع ما يجري في النفوس ويسري في العروق من لهفة حارة تستبد بالمصريين إلى التحرير والجلاء الناجز ووحدة الوادي بلا إبطال ولا إهمال.
أخذت الفرقتان تتسابقان في هذا، واغلب الظن أن ذلك التسابق سيستمر سجالا بينهما حتى تنجلي الغمة ويتحقق الرجاء، فلن تستطيع النفوس التي تتقد بالوطنية وتمتلئ بها أن نجد فضلة منها لقبول شيء دون ذلك!. . . وكان فضل السبق في هذا المضمار للفرقة الأولى دون شك، فقد تركت ما كانت أعدته للموسم من مسرحيات أخرى وأسرعت تلتمس ما يؤدي المعاني الوطنية التي فارت بها مشاعر الناس وملكت عليهم أمرهم وسواء أوفقت في ذلك أم جانبها التوفيق فلن يسلبها هذا فضل السابقين الأولين من المجاهدين!. . . قدمت - فيما قدمته - مسرحية تصور حادثة من حوادث التاريخ المصري الحديث، فقدمت الفرقة الثانية تصويراً للتاريخ المصري الحديث كله، وكأنها في ذلك تقول للفرقة أولى: أن كنت ريحا فقد لاقيت إعصاراً!!
ونسيت الفرقة المصرية أن الأمر في المسرح ليس أمر زحمة في الحوادث، وليس أمر قدرة على حشد اكبر عدد منها، فذلك مطلب يسير هين، وهو - فوق ذلك - ليس من الفن المسرحي في شيء! فرب لمحة خاطفة يصورها المسرح فيحس تصويرها، أدل على المعنى وابعد في النفوس أثراً من احتشاد الحوادث وتعاقبها وكثرتها!
قدمت هذه الفرقة مسرحية (٧٠) فسردت فيها تاريخ الحركة الوطنية المصرية منذ سنة ١٨٨٢من التاريخ الميلادي حتى يومنا هذا سردا متصلا متلاحقا انهرت معه أنفاس المؤلف وتكاثرت عليه الحوادث وتزاحمت من حوله الشخصيات، وكان هو حريصا على أن يعرض الحوادث والأشخاص جميعاً دون سهو أو نسيان - كما يقولون في عالم التجارة -