فاصبح لا يدري ماذا يأخذ وماذا يدع. واستعان الله على هذا كله، ومزج المسرح بالسينما وبالكلام الطويل في الميكروفون، فجاءت المسرحية مسخا شائها عجيباً. وأنا استغفر الله من تسميتها باسم (مسرحية) فلا أجد ما اسميها به غير ذلك مع علمي بأن ليس لها من هذا الاسم نصيب.
نعم. إنه ليس من الفن المسرحي في شيء أن تساق الحوادث سوقها كأنها مطي تحت بالسياط فلا يربط بينها رابط، ولا توحدها حادثة أساسية متصلة تجذب انتباه المشاهد، وتؤجج شوقه إلى نهايته وفك عقدتها، مما تحتمه شرائط المسرحية الصحيحة كما عرفت منذ التاريخ القديم. . . وليس من الفن المسرحي في شيء أن يرى المشاهد حوادث التاريخ تترى كأنها موكب من مواكب الاستعراض لا اكبر ولا أقل! ويراها المشاهد مرة على صورة مسرحية متحركة ينهض بها ممثلون يتحركون على الخشبة ويلعبون أدوارهم أمام الناس، ثم مرة ثانية على شريط سينمائي يعرض أمام انتظارهم لتكمل به الحوادث، ثم مرة ثالثة يسمع الميكرفون وهو يتمتم ما عجز التمثيل والسينما معا عن أن ينهضا به من الحوادث التي ينوء بها العصبة أولو القوة، فيصل ما يوشك أن ينقطع على المشاهدين من الحوادث المتلاحقة!!
ونسى المؤلف الفاضل أن لكل واحد من هذه العناصر الثلاثة غرضا خاصا به واتجاها يتفرد به دون العناصرين الآخرين، ويختلف فيه عنهما اختلافا بينا، وأن الجمع بين هذه العناصر الثلاثة في صعيد واحد إنما هو استغاثة واستعانة من المسرحية الضعيفة التي عجزت عن القيام بمهمتها منفردة مستقلة معتمدة على نفسها فأخذت تطلب النجدة من هنا وهناك!!
ولعل المؤلف الفاضل يعلم أن محاولات قامت في أوربا للجميع بين الفن المسرحي والفن السينمائي معا على خشبة المسرح تمكينا له من أيراد عدد اكبر واضخم من المناظر، وتقريبا له من القدرة الكبيرة التي تتمتع بها السينما دونه، وأن تحويرات وتعديلات أدخلت على تركيب المسارح لتمكينها من ذلك أيضاً، ولكن ذلك جمعية باء بالفشل وخلص المسرح للتركيز في الأسلوب والحوار، وللإيحاء والخيال البديع، والإشارة دون الإفصاح الواضح. وخلص المسرح إلى قيم ومعالم ليس للسينما - وهي واقعية النزعة - أن تجارية فيها.