كذلك لم يعد لبريطانيا بعد الحرب ذلك السلطان الكبير الذي كان يوليها إياه تفوقها التجاري على أمم العالم أجمع. نعم أنها لا تزال تمتلك وتُسير ثلث سفائن العالم، وذلك لأنها أوسع أسواق الأرض حرية، لكن نصف سفنها معطل؛ وقد خسرت جزءاً كبيراً من تجارتها الخارجية التي تُعَوّل عليها في حياتها وإن كانت صادراتها (منسوبة إلى عدد السكان) لا تزال ضعفي صادرات أكبر الأمم المنافسة لها تقريباً. على أن ما فقدته من تجارتها الخارجية إذا رجع بعضه إلى خطأ ارتكبته فلا يرجع كله أو جله إلى ذلك الخطأ. ذلك بأنها في أثناء الحرب اضطرت أن تضحي بمعظم أسواقها الخارجية لكي تركز جميع قواتها القومية في الأعمال الحربية. وذلك الفراغ الذي تركته شغلت بعضه أمم أخرى (كاليابان والولايات المتحدة) لم يُنقِض ظهرها عبء الحرب وشَغَل البعض الآخر ما قام من الصناعات القومية على أنقاض الواردات البريطانية. فلما وضعت الحرب أوزارها أقيمت لحماية هذه الصناعات حواجز من الضرائب الجمركية العالية، وأخذت الأمم جميعها في داخل أوربا وخارجها تعمل (للاكتفاء بنفسها)، فأدى ذلك العمل إلى النتيجة السالفة الذكر؛ وكان من جراء ذلك أن بريطانيا التي لا أمل لها في أن تكتفي بنفسها والتي لا تستطيع أن تحيا إلا بالاتجار مع العالم أجمع تجارة واسعة، انحطت إلى المنزلة التي انحطت إليها مدينة (ويانة) بعد الحرب. لقد كانت بريطانيا كما كانت ويانة تعتمد في رخائها على موقعها في ملتقى الطرق التجارية الكثيرة فنالها ما نال ويانة بعد أن أقيمت الحواجز المتعددة في هذه الطرق التجارية، وإلى هذا يرجع معظم السبب في ازدياد عدد المتعطلين. وقد بلغ من خطورة هذه الحال الجديدة أن أخذ قسم كبير من الرأي العام يدعو إلى ترك نظام الحرية التجارية الذي تسير عليه بريطانيا واتباع سياسة (الاكتفاء بالنفس) التي تتبعها البلدان