الأخرى. ولما كانت بريطانيا لا تستطيع أن تكتفي بنفسها إلا إذا خلصت من نصف سكانها فقد قويت فيها الدعوة إلى التوسل لتلك الغاية، غاية الاكتفاء بالنفس اكتفاء تاماً - بتوحيد الإمبراطورية من الناحية الاقتصادية. فإذا ما رضيت أجزاء الإمبراطورية بأن تتخلى عن مسعاها للاكتفاء بنفسها - وبعيد أن ترضى بذلك في القريب العاجل - كان معنى رضائها أن بريطانيا تضعف باختيارها أو قل تعطل ثلثي تجارتها الخارجية لكي تتفرغ إلى إنماء الثلث الباقي؛ وإذا فعلت ذلك فإنها تكون قد تحولت تحولا تاما عن السياسة التي قام عليها النظام الاقتصادي البريطاني حتى الآن
هذه التطورات تعد في مجموعها انقلاباً خطيراً في مركز بريطانيا ومبادئها يتطلب تعديلاً في سياستها القومية، ولاشك في أن بريطانيا تجتاز الآن أزمة بل خطراً قومياً شديداً. على أن كل تغيير بمفرده لا يعد خطيراً في ذاته. فإذا كان مركز بريطانيا الجزري لم يعد يكفل لها السلامة فان سياسة عالمية رشيدة تكفل لها سلامة أبقى وأعظم؛ ولا يزال موقع هذه الجزيرة في وسط أهم الطرق التجارية البحرية وفي قلب العالم المتمدين تقريباً خير موقع جغرافي يتمتع به بلد على وجه الأرض. وإذا لم تكن بريطانيا الآن سيدة البحار بلا منازع فان ذلك لا أهمية له إذا بقيت البحار في سلام. وإذا لم تكن لها (السيطرة على إمبراطورية فان خيراً من هذه السيطرة أن تكون هي القلب النابض لمجموعة من الأمم الحرة على شريطة أن تنظم هذه المجموعة تنظيماً يمكنها من أن تتعاون تعاوناً حراً. وقد تكون بريطانيا وراء غيرها من الأمم في اتباع أحسن وسائل التنظيم الصناعي، ولكن هذا أمر يستطاع تداركه بالعمل والحكمة. وإن اندماج أجزاء مقاطعاتها الصناعية وقربها من الثغور التي تستمد منها حاجاتها ومن مصادر القوى اللازمة لها، كل ذلك يكسبها ميزات عظيمة إذا أحسن الانتفاع بها. وقد لا تجد بريطانيا في بلادها حاجتها من الزيت أو القوى المائية. ولكن العلم والعمل كفيلان باستخراجهما من مناجم فحمها الغنية؛ وربما كان النقص قد اعترى قدرتها المالية، ولكن هذه القدرة لا تزال عظيمة برغم هذا النقص، وفي الإمكان زيادتها إذا اتخذت الوسائل الكفيلة بتشجيع الادخار؛ وإذا أحسن توحيد مجهودها القومي بقيادة رشيدة فان هذا المجهود خليق بتخفيف عبء الضرائب الذي لا يزيد كثيراً على ما كان عليه منذ مائة عام إذا روعيت النسبة بين العهدين. كذلك لا يرجى أن تحتفظ بريطانيا