بما كان لها من تفوق عظيم في التجارة العالمية، ولكن إذا أيقن عمالها والمشرفون على الصناعة فيها أن الواجب يقضي عليهم بأن يقاوموا كل منافسة شريفة بكفايتهم وحدها وأن يكونوا أنداداً لمنافسيهم وأن ينظموا بيوتهم، إذا أيقنوا بذلك استطاعت بريطانيا أن تستعيد من الأسواق ما يضمن لأهلها ارتقاء مطرداً في مستوى معيشتهم، وأن تنمي مواردها وموارد الإمبراطورية نماء عظيما
ولكن يلوح أنها إذا شاءت أن تنال هذه الأغراض فان عليها أن توجه إليها مجهوداً قومياً عاماً شبيهاً بالمجهود الذي أنالها النصر في الحرب. ولا بد لها أن تتغلب على روح الاستسلام والقنوط وما يؤدي إليه من خور في العزيمة. وأخيراً إن بلوغ هذه الغاية موقوف على نوع الحكومة القائمة في البلاد وصفاتها، وذلك لأن واجبات الحكومة في الوقت الحاضر أكبر شأناً وأعظم أثراً مما كانت في الماضي. وإن للطريقة التي تؤدى بها هذه الواجبات أثراً بليغاً في نفوس الشعب لا يعادله أثرها في الماضي، ولذلك يهمنا أن نعرف كيف عدل نظام الحكومة البريطانية ذو الشهرة العالمية الكبيرة لكي يتفق مع مقتضيات العهد الذي أعقب الحرب
ليس الجواب عن هذا السؤال مما يسر له الخاطر؛ فإننا إذا حكمنا على الأشياء بنتائجها تبين لنا أن نظام الحكم البريطاني أقل نجاحاً من النظام الفرنسي أو الألماني الحديث في بعث روح النشاط القومي الموحد وفي قيادة الأمة في هذه الأوقات العصيبة؛ وإذا حكمنا على هذا النظام بأثره في أخلاق الناس من كافة الطبقات رأينا أنه لم يخلق زعماء أنجادا قادرين على التفكير والإنشاء ينالون ثقة الأمة ويتحملون التبعات أمثال شترزمان في ألمانيا، أو بوانكريه وبريان في فرنسا (رغم ما فيهم من نقص). وقصارى القول إن هذا النظام لم يفلح في إشعار الأمة بحاجتها إلى توحيد جهودها وخلق الزعماء الذين يقودونها في بذل هذه الجهود
وقد يكون سبب هذا العجز أن بريطانيا الآن تواجه عهداً جديداً بإداة حكومية لا تستطيع أن تعالج ما فيه من المشاكل. ويلوح أن السياسة البريطانية يسيطر عليها أكثر مما يجب التنافس الدائم على السلطة بين الأحزاب المختلفة التي لا يبذل كل منها جهده في العمل الإنشائي المنتج بل في التشهير بغيره وكشف عيوبه ونقائصه. لسنا ننكر أن الأحزاب