السياسية أداة ضرورية للحكم الديمقراطي، ولكن يلوح أن نظام الأحزاب البريطانية جامد خال من المرونة يجعل المشرفين على سياستها شرذمة قليلة من الزعماء المطلقي التصرف يستقلون بوضع خطط الحزب، ولا ينفكُّ أتباعهم أنفسهم يضمرون في نفوسهم الثورة عليهم وإن أطاعوهم في إعطاء أصواتهم، وذلك لأن هؤلاء الزعماء ينكرون عليهم حرية المناقشة بله حرية العمل
لقد تكلمنا من قبل عما طرأ على نظام الحكم البريطاني من تغيير، وقلنا إن أهم مظاهر هذا الحكم مظهران: أولهما تركيز السلطة جميعها من تشريعية ومالية وإدارية في يد وزارة حزبية قليلة العدد أوقرت ظهرها المسئوليات الجسيمة التي أخذتها على عاتقها فأصبحت عاجزة عن النظر إلى حاجات الأمة نظرة واسعة المدى. وثانيهما حرمان البرلمان من كل سلطة إلا من إشراف صوري محض على أعمال الحكومة حتى صار عمله في الحقيقة مقصوراً على نقدها. إن في وسع البرلمان أن يشهر بأعمال الحكومة ويعطلها. ولكنه ممنوع من أن يعمل شيئاً من عنده لإصلاحها، فلا عجب والحالة هذه إذا لم يكن في الإمكان مواجهة الطوارئ القومية الخطيرة وعلاجها علاجاً ناجحاً. وإذا شاءت بريطانيا أن تنازل الصعاب التي قامت بعد الحرب وهي واثقة من النجاح كان عليها كما يلوح أن تبدأ بإصلاح زعامتها وأداتها الحكومية
٢ - الإمبراطورية البريطانية
تتألف الإمبراطورية البريطانية من ثلاثة عناصر مختلفة: أولها الأملاك العظيمة التي تحكم نفسها بنفسها، وهي أملاك كانت منذ زمن طويل ولا تزال حتى الآن دولاً مستقلة كل ما بينها وبين بريطانيا من روابط أنها تدين معها بالطاعة لتاج واحد، وأنها تشترك معها فيما تتمتع به من نظم الحرية. وثاني هذه العناصر هو البلدان الشرقية ذات الحضارة القديمة، وهي الهند وسيلان وبلاد الملايو؛ وهي بلاد للحكومة البريطانية عليها إشراف مباشر أكبر مما لها على البلدان الأولى، وإن كانت هذه البلدان أيضاً أخذت تطالب بحقها في حكم نفسها بنفسها ونالت بعض هذا الحق في السنين الأخيرة. والعنصر الثالث أجزاء الإمبراطورية المحكومة، وتشمل أصقاعا واسعة في أفريقية لم تنضم إلى الإمبراطورية إلا في خلال الخمسين سنة الأخيرة. وهذه الأملاك تسيطر عليها الحكومة البريطانية سيطرة فعلية