تناول في هذا الأيام مذهب وحدة الوجود بعض كتاب الرسالة وقرائها النابهين الأفاضل، بمناسبة (رسائل التعليقات للرصافي) ونقدها للأستاذ دريني خشبة، وكل عرض لهذا المذهب من الناحية التي يراها جديرة بالاهتمام. وقد رأى أحدهم، وهو الأستاذ زكريا إبراهيم المعروف باصطناع الدقة في التعبير والحكم، أن من التعسف والخطأ والمجازفة أن يقال عن هذا المذهب إنه إفك ينطوي على كثير من الأراجيف وإنه لا يتفق وعقائد الدين الحقة
لذلك أرجو أن يكون لي التقدم بهذه الكلمة؛ لعلها تكشف بعض الحقيقة، أو تساعد على الوصول إليها
الذهاب إلى الفكرة (وحدة الوجود) ليس إلا أحد الحلول أو الإفهام التي حاول بها المفكرون والفلاسفة في القديم والحديث أن يحلوا أو يفهموا مسألة صلة الله بالعالم، وفد أنتج التفكير في هذه المسألة كثيراً من المذاهب التي وعاها الزمن وسجلها تاريخ الفلسفة
ومحي الدين بن عربي من زعماء القائلين بهذه الفكرة، وكان له من أجل ذلك أنصار وخصوم؛ هؤلاء يقذفونه بالزندقة والكفر، وأولئك يجعلونه الشيخ الأكبر وأحد أولياء الله وأصفيائه، ولكل أمارات ودلائل، ولا يتسع المقام لذكر ذلك أو الإشارة إليه. إلا أني أشير إلى أن عبد الوهاب الشعراني، وهو من أكبر أنصار الشيخ، حاول أن يوفق بين الشريعة وبين ما ورد في مؤلفات الشيخ مما لا يتفق والدين، فلم يستطع إلى ذلك سبيلاً، فلجأ أخيراً إلى حذف ما لا يتفق وما عليه أهل السنة والجماعة من كتاب الفتوحات، كما يروي ذلك بنفسه في مختصره لهذا الكتاب، وتلك لعمري خطة إثمها أكبر من نفعها!
ولكن، ما معنى هذه الفكرة (وحدة الوجود) التي تؤدي إلى التكفير في رأي كثير من الناس؟ هي، كما تبين من كتب ابن عربي نفسها، القول بأنه ليس هناك إلا وجود واحد هو الله والعالم كله مظاهر له، أو بعبارة أخرى ليس جميع الممكنات إلا مظاهر للحق (الله) يتجلى فيها ولولاه لكانت عدما